بين القضاء والصحافة
سعدنا بالدعوة التي قدمها رئيس القضاء بروف حيدر أحمد دفع الله للقيادات الصحافية والإعلامية والتي قصد منها تنويرهم بخطط تطوير العمل القضائي بحضور قيادات الجهاز القضائي والمفوضية القومية للخدمة القضائية ووزير العدل مولانا محمد بشارة دوسة.
صحيح أن فتح المجال لتعليقات القيادات الصحافية بعد شرح من السيد رئيس القضاء ود. عوض الحسن النور مدير المعهد القضائي وقيادات الجهاز القضائي انصب على هموم الصحافة مع طرق ضئيل لما نُظم اللقاء من أجله حول مشروع التطوير الذي بدأت قيادة الجهاز القضائي في إنفاذه، ولعل استئثار قضايا الصحافة باللقاء مفهوم تماماً بالنظر إلى ما تعانيه المهنة من ملاحقات قضائية ومشكلات تشغل جزءاً كبيراً من وقت رؤساء التحرير، بل من وقت الناشرين الذين لم يكونوا في السابق معنيين بتلك الاستدعاءات فقد كان رؤساء التحرير هم من يمثلون الصحف في قضايا النشر، ولكن مستجدات (مجهولة) غيَّرت من ذلك الواقع!
قبل أن أقول شيئاً عن قضايا الصحافة والنشر الصحافي مما شكا منه قادة الصحافة أرجو أن أتطرق إلى التنوير فقد كان أكثر ما لفت نظري أن العمل القضائي يشهد ثورة تحديث كبرى يقودها بروف حيدر دفع الله تُعنى بتحسين بيئة العمل بما يبشر بحدوث تغيير هائل في إجراءات التقاضي وتسريع صدور الأحكام يواكب ما يجري في الدول الأكثر تقدماً، ويكفي للتدليل على ذلك أن عملية التحديث تشمل تطبيق نظام المحاكم الإلكترونية التي ستمكن من إنشاء بوابة إلكترونية وتطبيق عدد من النظم الحديثة في تسجيلات الأراضي التي تعتبر من المناطق الوعرة التي يعاني منها الجمهور وكذلك استحداث برامج لعدد من مجالات العمل القضائي مثل نظام إدارة المراسلات الواردة والصادرة وقضايا المحكمة العليا وتوثيقات المحامين وغير ذلك كثير كما تشمل المرحلة الثانية تطبيق نظام المحاكم الإلكترونية على عدد من الأجهزة القضائية مثل الخرطوم وأم درمان وبحري وشرق النيل.
أنه عمل كبير بكل ما تحمل الكلمة من معنى استصحب ثورة إدارية أخرى من خلال عدد من القرارات التي أصدرها رئيس القضاء تهدف إلى تبسيط وتسريع البت في القضايا ويشمل ذلك تحديد عدد جلسات دوائر المحاكم بما في ذلك محكمة الاستئناف والمحاكم الأدنى.
الكتيب الذي وُزع على الصحافيين حول المعهد القضائي كان كافياً ليفصح عن نفسه بالرغم من المقدمة الضافية التي قدمها مديره ويحتاج المعهد إلى مقال منفصل ذلك أنه يحمل مشروعاً لتغيير هائل في التأهيل والتدريب خاصة للقضاة بل وحتى للمحامين وبعض النخب المجتمعية مثل الصحافيين.
من أهم القضايا التي شغلت الصحافيين وعبَّر عنها بكثير من الإبانة الأستاذ فتح الرحمن النحاس على سبيل المثال لا الحصر المعاملة غير اللائقة التي يتلقاها رؤساء التحرير كقادة رأي وسلطة رابعة من بعض القضاة وكذلك إضاعة أوقاتهم بسبب عدم بدء الجلسات في مواقيتها وكثرة الاستدعاءات بدلاً من الاكتفاء بالمحامين.
بالرغم من أن ثورة تطوير الجهاز القضائي تشمل تسريع إجراءات التقاضي، إلا أن بعض الحضور تحدَّثوا عن أن الظلم الناتج عن تأخير الفصل في الدعوى ربما يكون أكثر فداحة من دعوى التظلم، وبالرغم من البشائر التي نُثرت على الصحافيين فإنه لابد من قضاء مستعجل يعيد الحق لأهله في مدى زمني معين بدلاً من استغراق الفصل في الدعاوى سنين عدداً ربما يموت خلالها المتظلم مغبوناً محسوراً.
مما أثير خلال اللقاء الرسوم القضائية التي أوضح بروف حيدر أنهم يحرصون على ألا يكون فقر المتظلم سبباً يحول دون مطالبته بحقه أو دون اللجوء إلى القضاء لبلوغ ذلك لكني أقولها بملء فيّ يا بروف حيدر إن كثرة الرسوم باتت من موانع تحقيق العدالة فما من حركة يقدم عليها المتقاضيان أو انتقال من دائرة إلى أخرى إلا وهناك في الغالب رسم يدفع مما يزهد في التحاكم إلى القضاء طلباً للإنصاف.
كذلك فإن ما أشار إليه الأستاذ حسين خوجلي حول استقلالية القضاء الذي يستدعي ألا يحصل الجهاز القضائي على موازنته من الحكومة حتى لا يكون تحت تأثيرها.
طلبتُ من وزير العدل أن يعقد لقاء للصحافة والإعلام شبيه بدعوة رئيس القضاء حتى تتم مناقشة الشق الثاني من منظومة العدالة التي أعني بها النيابات، وما قصدتُ من حديثي إلا أن نتساءل عن السبب في عدم الفصل بين منصبيْ النائب العام ووزير العدل الذي يعتبر جزءاً من الجهاز التنفيذي فذلك أدعى لضمان تحقيق العدالة بدون تدخل من السلطة التنفيذية.
تحدث الصحافيون عن أمور مختلفة كلها يتعلق بسيادة حكم القانون وتقوية سلطة القضاء بعيداً عن السلطات الأخرى خاصة السلطة التنفيذية، وكان اللقاء في مجمله مهماً ومفيداً.
الطيب الحمار