فدوى موسى

الموضوع مستحمي!


(عبدو) عندما يمتلكه العجز تماماً وتستعصي عليه التعابير حيال أمر ما، أو موضوع يستحق التعليق، تراه يعبر عنه ويقول (الموضوع دا مستحمي)، ويبدو أن الاستحمام قد أصاب كثيراً من القضايا والمواضيع المهمة، التي تلجم حتى اللسان عن مجاراة الكلمة المعبرة.. ففيه شبهة الاستعانة بماء آسن ونتن بعض الأحايين، والحالة تعكس واجهات عدة لإدارة أمور حياتية تتعلق مباشرة بوجود وعدم تسيير الحياة.. لا زمني تعبير (عبدو) هذا وأنا أصادق «عمك» الذي وجد نفسه معاشياً دون أن يضع حساباً لتداعيات الأيام والزمان، وعندما بدأ يحكي معاناته التي تضج بها حكاوي الواقع السوداني الاقتصادي، الذي أصبح قاسياً جداً… والشفقة والتوجس هما الإحساسان اللذان يمكنك أن تتلبسهما دون منك أو بلا استقصاء.. كيف لا تحمل الهم ولم تعد الحياة بالسهولة أو المرونة التي تتحمل أن تدار دفتها بمعاش أو حتى مرتب.. (عمك) الذي كان يملأ الدنيا ضجيجاً جيئة وذهاباً وهو يحمل «قفة» تطمن أصحاب الدار، ما عاد ذلك الرجل الذي يمتلك القوت والقرار.. بل أصبح منزوياً في الركن وهو يرنو إلى أبنائه بنظره الذي وضع عصا الترحال الى موات الحياة.. كيف لا يكون كذلك وهو يستلم معاشه «البائس» الذي لا يصمد لمدة يوم أو يومين من عمر الشهر، أما ما يسمعه من تصاريح ووعود في «الدنيا حوله» لا يعدو كونه مجرد أماني.. ليقول «يا بتي يقولوا ليك هناك مشاريع وبدائل.. والواقع يهزم كل شيء، ويجعلنا الأقرب إياها……. «يا عمي الموضوع بالجد مستحمي جداً» فيهز رأسه تجاوباً مع العبارة رغم أنه لا يعرف قصتها الكاملة.

٭ المسنة والحياة!

إن كنت محظوظاً وكانت إحدى «حبوباتك» موجودة، فإنك تكتشف انك تمتلك كنزاً غالياً.. ما أن «سحارة» الحكاوي والعبر والتأمل تلازمك في كل ملم وحادثة يومية.. ولكن الكثيرين الذين يملكون هذا الكنز، يعتقدون أنهم متعبون ومرهقون بهم، وهذا ظلم لأنفسهم.. فأبواب برهم رحمة لأيامهم الصعبة التي يمتنون بها.. وكم هي قاسية الصدامات أن تحفل بعض الدور بترك المسنين عندها دون إزكاءً لروح البنوة والتكافل لمن قدم «السبت»، ولم يجد «الأحد»- كما يقول المثل الشائع- أو حتى فكرة عزل المسن عن أهله وهو مقيم في وسطهم تصيبهم في مقتل الإنسانية… وليس أعظم من البر والاحترام والوصاية بهم، خاصة هذه «الحبوبة» التي هي كنز تاريخي للأبناء عندما تحاصرهم التكنولوجيا من كل جانب، وتقارب أن تجعلهم أشبه بها من محتوى عاطفي كما الآلات والوحدات التركيبية الموضوعة وضعاً.. ولأن الحياة تكتنز بالجفاف، فإن النظرة الإنسانية لمثل هؤلاء الباقين من الزمن الملتصق بالطفولة والمراهقة والشباب، أولى بالاحترام، فهم الذين عاشوا الوهن من أجل حياة معاصرة لمن سيخلفونهم من بعدهم- زمناً وآوانا- كرموا «حبوباتكم» وجدودكم بما يليق بكم عندما تبلغون زمانهم.

آخرالكلام:-

حتى لا تصبح عاجز العبارة مثل (عبدو)، حاول أن تغذي روحك بروح الزمان القادم والذي مضى.. رغم أن ما مضى لن يعود إلا أن اكرام أهل ذلك الزمان اكرام للمستقبل..

مع محبتي للجميع