داليا الياس

أحفاد وأمجاد

بقدر ما باتت الأحاديث الممجوجة عن أمجادنا التليدة تشعرني بالأسى.. وتسلمني لحالة من اليأس، جاءت تجربتي الأخيرة في الوقوف على فعاليات أسبوع المرأة بجامعة (الأحفاد) للبنات لتؤكد لي أن صناعة تلك الأمجاد كانت ولا تزال ممكنة جدا.

فهذا الصرح التعليمي الشامخ لا يعنى فقط بتقديم الخدمات الأكاديمية لأولئك الفتيات الرائعات.. ولكنه أيضا يصقل جوهرهن الإنساني ويعيد صياغتهن بحيث يصبحن سيدات قويات وقادرات على تخطي كل الحواجز التي يمكنها أن تعترض طريقهن نحو المجد، وقد كانت فكرتي التقليدية حول تلك الجامعة لا تتجاوز كونها مؤسسة تعليمية ذات أبعاد تاريخية تعهدها (آل البدري) بالرعاية منذ القدم ووقفوا وراءها جيلا بعد جيل منادين بضرورة تعلم المرأة ومنحها حقوقها كاملة غير منقوصة!

ولكنني بعد أن شاهدت بأم عيني القطاف السنوي لتلك الشجيرات التي غرست في أرض خصبة من التميز والرعاية وبذلت لأجلها كل تلك الجهود المقدرة من القائمين على أمر الجامعة من أجل توفير بيئة تعليمية متفردة تتلقى فيها الطالبة جرعات متتالية من الشحن الروحي من خلال العناية بمواهبها وتفعيل إمكانياتها واستخراج طاقاتها الكامنة التي ربما لم تكن هي نفسها تعلمها لتتحول شيئا فشيئا إلى كائن خلاق في شتى ضروب الإبداع الموسيقي والرياضي والدرامي والثقافي ومن قبلها الإنساني، إذ لا مكان في الأحفاد للتمييز العرقي أو الديني أو الاجتماعى!!.7500 فتاة يدرسن في جامعة الأحفاد ويتمتعن بذات الحقوق وتقع على عاتقهن ذات الواجبات والقوانين الإيجابية الصارمة التي تكفل لهن النشأة المنضبطة المحترمة والشخصية القوية المؤثرة.

وكلهن.. يتلقين دروس العلم والحياة في تمام الانسجام وبكل سلاسة على تلك الأرض المجيدة التي تمكنت من فرض ذاتها وأسلوبها التعليمي على الجميع، فما عادت تخضع إلا لسطوة أسلوبها الخاص ومبادئها الراسخة التي وضعها على التوالي رجلان لا يتكرران هما (بابكر بدري) و(يوسف بدري) وها هو (قاسم بدري) أو (بابا قاسم) يحمل الراية بكل ثقة واقتدار ويواصل المضي قدما بشخصيته المدهشه التي يميزها ذلك الهدوء والوقار اللذان يخبئان وراءهما هديرا من العطاء.

خمسون عاما من المجد.. بذلتها مؤسسة الأحفاد التعليمية بمختلف مراحل تطورها المعروفة في صناعة النساء وتقديمهن للمجتمع في تمام عافيتهن النفسية وسلوكهن القويم.. وإذا كانت الفكرة العقيمة السائدة تندد بهامش التحرر الذي تعيشه فتيات الأحفاد على مستوى المظهر.. فإنني ومن خلال ما تلمسته من خلال مشاهداتي وملاحظاتي _ إبان أسبوع المرأة الذي يجيء هذا العام مستشرفا لليوبيل الذهبي للجامعة _ أؤكد أن معظم أولئك الفتيات لا يعنيهن سوى المخبر، ولا تشغلهن أي فكرة تقليدية تتعلق بأنوثتهن، فالشاهد أن الأحفاد علمتهن أن يتشبثن بإنسانيتهن وتميزهن وفاعليتهن بكامل التقديس بعيدا عن هاجس الابتذال، فهن يدركن أن تأثير المعرفة والنبوغ والحصافة واللباقة والإبداع أجدى وأنفع وأقوى من سواه.

فدعوني أنحني احتراما لهذا الصرح الشامخ الذي ظل لخمسة عقود يدافع عن حق المرأة في الحياة محاربا كل العادات الضارة والنظرة المحتقرة التي تنال منها وتقصيها وتتعمد إهانتها واستغلالها، وظل حريصا على تقويم روحها ودعمها بكل ما يلزم لتمارس حياتها كما يجب، الشيء الذي جعل فتيات الأحفاد لا يشبهن سوى أنفسهن، ويمكنك ببساطة أن تكتشفهن من بين جميع الفتيات لاسيما وهن يتميزن بذلك الولاء النبيل لهذه الأرض النسائية الفاضلة ذات الأمجاد والتي تسمى تجاوزا (جامعة الأحفاد للبنات)!

تلويح:

أتمنى صادقة أن تتمكن بناتي يوما من التمتع بتلك البيئة الجامعية التعليمية المتكاملة ليحققن كل ما عجزت عن تحقيقة.