بين الهدايا والرَّشاوى.. أساتذة في قفص الاتهام
بين الهدايا والرَّشاوى..
أساتذة في قفص الاتهام
• مُعلِّم ثانوي: مسألة تقديم الهدايا لبعض المعلمين موجودة ولا يستطيع أحد نفيها عموماً
• طالبة ماجستير: لم أسمع في حياتي كلها بطلاب قدَّموا هدايا ورشاوى للمشرفين لتسهيل إجراءات مناقشة الماجستير
• أستاذ جامعي: لا يمكن الحُكم على الحالات الفردية.. والظروف الاقتصادية قد تكون سبباً
• مسؤول الإعلام بوزارة التعليم العالي: ما نُسب لدكتوره رحاب عن الهدايا والرشاوى غير صحيح
• مديرة إدارة تأصيل المعرفة بالتعليم العالي: تحدَّثتُ بصفتي الشخصية وذكرتُ بعض الحالات الفردية القليلة ولم أتناول الموضوع بالحجم الذي نشر في الصحف
بين الهدايا والرَّشاوى..
أساتذة في قفص الاتهام
• مُعلِّم ثانوي: مسألة تقديم الهدايا لبعض المعلمين موجودة ولا يستطيع أحد نفيها عموماً
• طالبة ماجستير: لم أسمع في حياتي كلها بطلاب قدَّموا هدايا ورشاوى للمشرفين لتسهيل إجراءات مناقشة الماجستير
• أستاذ جامعي: لا يمكن الحُكم على الحالات الفردية.. والظروف الاقتصادية قد تكون سبباً
• مسؤول الإعلام بوزارة التعليم العالي: ما نُسب لدكتوره رحاب عن الهدايا والرشاوى غير صحيح
• مديرة إدارة تأصيل المعرفة بالتعليم العالي: تحدَّثتُ بصفتي الشخصية وذكرتُ بعض الحالات الفردية القليلة ولم أتناول الموضوع بالحجم الذي نشر في الصحف
الخرطوم: قسم التحقيقات
حديث مُطوَّل ظل يدور عن اهتزازات أصابت (جسد) التعليم بشقيه العام والعالي، ليس في الجودة في وحدها، بل في أصل وفصل القِيَم التي ينادي بها (العِلْم) ذات نفسه، وهذا ما أفصحت به مديرة إدارة تأصيل المعرفة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي د.رحاب عبد الرحمن في ندوة (مشهودة) نظَّمها مركز تحليل النزاعات ودراسات السلام بجامعة أم درمان الإسلامية مع مركز حراء، عن تلقي أساتذة لرشاوى في شكل هدايا من الطلاب وقالت: “إذا أراد طالب مناقشة درجة الماجستير لا يتم تمريره في بعض الحالات إلا بعد إحضار هدايا للأستاذ، وإن ذات الأمر يتكرر في مدارس الأساس حيث شكا أحد الأطفال من عدم تكريمه مع الناجحين ويقول إنه لا يجد اهتماماً من الأستاذ مالم يعطِه هدية”.
للتقصِّي حول الموضوع استتنطقت (السوداني) نماذج محدودة لطلاب جامعات وأساتذة في التعليم العام والعالي، وكذلك وصلنا إلى د.رحاب عبد الرحمن –عبر الهاتف- وتحدَّثنا مع مسؤول الإعلام بوزارة التعليم العالي، وخرجنا بالحصيلة التالية:
قريب مِنِّي
أول من بدأنا بهن طالبات تخرجن في جامعة عريقة ودخلن حديثاً في (عالم الوظيفة) تحدثن إلينا بمُنتهى الصراحة بعد أن طلبن حجب أسمائهن. مُلخص ما قُلن به لـ(السوداني) إنه وبعد انتهاء الامتحانات يبدأ الطلاب في إنجاز مشروعات التخرج، والتي تمثل ركناً أساسياً مُكمِّلاً لبقية المواد المقررة على الطلاب، وهنا فقط يحاول الطلاب الخريجون التقرب إلى الأستاذ المُشرف على مشروع التخرج، وذلك لتسهيل عملية البحث والمساعدة، حيث يميل (بعض) الطلاب إلى تقديم الهدايا إلى الأساتذة، وذلك يكون قبل تسليم البحوث ومعرفة النتيجة، حيث يقوم الطلاب بعمل (شيرنق) وتجميع المبلغ والذهاب به إلى السوق لشراء هدية للمشرف أو المشرفة على المجموعة وتقدم هذه الهدية في يوم المناقشة، والذي يقام في إحدى القاعات ويتم الإعلان عن ذلك وطباعة كروت دعوة توزع إلى أساتذة الكلية وعميدها، حيث تكون هنالك مرطبات تقوم بها المجموعة التي حُدِّد يوم مناقشتها وتقديم شهادات تقديرية للأساتذة.
نفي مُغلَّظ
لكن الأستاذة إحسان محمد والتي سبق لها التحضير للماجستير في رسالة عن منهج المهدية كفكرة ودعوة وحركة وأثر ذلك في تغيير المجتمع قالت لـ(السوداني): “لم أسمع في حياتي كلها بطلاب قدَّموا هدايا ورشاوى للمشرفين لتسهيل إجراءات مناقشة الماجستير أو حتى للبحوث التكميلية التي ينال بها الطلاب درجت البكلاريوس”، وقالت: “عن تجربتي الشخصية أجزم لكم بأن الدكتورة التي أشرفت عليَّ كانت (جادة) ورسمية وحريصة على دقة المعلومات، وأن تكون سليمة ومن مصادرها، ولم تضع في حساباتها أن تأخذ مني مقابلاً، بل على العكس كانت حريصة جداً على أن تخرج الرسالة بصورة جيدة، وحتى المناقش الخارجي أثنى على الرسالة، وقال إنهُ من المفترض أن تكون رسالة دكتوراه وليست رسالة ماجستير، والأمر الوحيد الذي طلبتهُ المشرفة هو إعطاؤها نسخة من الرسالة باعتبارها المشرفة، وأنها أحيلت للمعاش وترغب في الاحتفاظ بها كذكرى، ولكني لم ألتزم بذلك”.
أما طالبة الماجستير إسراء محمد البشير من جامعة الخرطوم والتي كانت رسالتها عن معالجة النفايات الطبية، عندما استفسرناها عن موضوع الرشاوى التي تُقدَّم من بعض الطلاب إلى المُشرفين على رسالاتهم لنيل الدرجات العملية المختلفة قالت: “إنها المرة الأولى التي تسمع فيها بمثل هذا الأمر”، وأضافت أن رسالتها كانت على شكل كورسات، وأن المشرف عليها كان حريصاً على توجهيها وتوثيق المعلومات من المراجع، وتم إرجاعها من قبل المشرف لتصحيح الأخطاء وبعد اكتمال الرسالة تمت إجازتها.
تصرُّفات فردية
وبعد استعراض بعض أقوال الطلاب من الضرورة بمكان أن نقف عن آراء الأستاذ الجامعي. يقول د.محمد التيجاني لـ(السوداني): “إنَّ ما يحدث الآن من قبل بعض الأساتذة يمكن أن نعتبره تصرفاً شخصياً لا يمكن أن نحاسب به التعليم العالي كله، أما بسبب ذلك فهو حسبما أرى يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف الوازع الديني، وبالطبع فذاك أمر لا يمكن يتساوى فيه الناس بغض النظر عن تخصصهم أو درجاتهم العملية، فهناك غرائز بشرية لا تستطيع الدرجات أن العلمية مهما علت أن تُلجمها، وربما ترجع كل هذه الأشياء إلى الضغوطات الإقتصادية”. ومضى د.التيجاني بقوله إن لكل جامعة لوائح وقوانين لتعامل مع مثل هذه القضايا إذا ثبت ذلك، وقبل تعيين أيّ أستاذ يتم الاستفسار عنه حتى يكون مقبولاً أخلاقياً وأكاديمياً كما أنه معروف دولياً ومطلوب بأخلاقة وتميزه الأكاديمي، وقال: “إن لدار الوثائق القومية دوراً كبيراً للحد من ظاهرة التزوير”، وأكد أنه لا بد من وضع حلول لهذه الظواهر السالبة، التزوير وتلقي الرشاوى عبر تهيئة الجو العام للأستاذ إدارياً ومادياً، وكذلك لا بد من توفير المال اللازم للجامعات وتمويلها، وتفعيل القوانين الموجودة بها.
الهيبة المفقودة..!!
ولأن التعليم العام هو الآخر لم يسلم من الاتهام كان لزاماً علينا أن نستمع إلى مُعلِّم ليدلو لنا بدلوه في الموضوع. يقول الأستاذ محمد أحمد -مُعلِّم بإحدى المدارس الثانوية الخاصة- لـ(السوداني): “إنَّ ظاهرة تقديم الهدايا لبعض المعلمين بالتعليم العام موجودة ولا يستطيع أحد أن يجزم بعكس ذلك”، وأضاف أن الطالب عندما يقدم هدية لمعلمه فليس ذلك بدافع العرفان بجميله وإنَّما هي هدية لها ما بعدها من المآرب الأخرى التي يطمع التلميذ أو الطالب في تلقيها مثل منحه درجات إضافية عند الامتحان أو إخباره بالنتيجة قبل إعلانها، وأحياناً يكون الطالب ارتكب خطأ لا يجدي معه التوجيه والنصح ففي هذه الحالة على المعلم إخبار الإدارة بذلك الخطأ، لكنه لا يفعل ذلك لأنَّ الهدية التي سبق أن تلقاها من الطالب أجبرته على السكوت.
وعن أنواع تلك الهدايا ذكر الأستاذ محمد أحمد، قد تكون موبايلاً حديثاً أو عطراً فاخراً أو ساعة قيّمة، أو أي شيء من هذا القبيل. ومضى الرَّجُل إلى أبعد من ذلك حين قال: “أحياناً ألاحظ أن أحد الفصول بها تهريج وإزعاج يصل مرحلة (الجوطة) فأسرعُ أنا من جانبي لدخول ذلك الفصل وإسكات الطلاب باعتبار أن التلاميذ ليس معهم أستاذ، لكن أُفاجأ بأن هنالك أستاذاً يقف أمامهم، لكنهم لم يعملوا له حساباً، بل يعتبرونه مثل أي تلميذ معهم، والسبب في ذلك ضياع هيبته بسبب تلك الهدايا لأن طلابه صاروا ينظرون له على أنه صديق”.
إنهم بشر وليسوا ملائكة
وتحدث لـ(السوداني) الخبير التربوي حسن الخليفة الحسن قائلاً: “في ما مضى من زمانٍ لم نعتد على مثل هذه الظاهرة من تزوير وتسول على العلم، وأنا حقيقة لا أجزم الآن بوجودها أو عدمه لكن إن كانت حقيقة فيُعزى السبب فيها إلى الحالة الاقتصادية التي تُعاني من ويلاتها معظم شرائح المجتمع نتيجة لضعف المرتبات والامتيازات لا سيما تلك التي يتلقاها رجال العلم والمعرفة كما أن الواعظ الديني قد تضاءل والقيم والفضيلة اندثرت، وأصبحت وراء الكواليس”. وعاد الحسن بذاكرته إلى العهد الذهبي للتعليم بالسودان يوم كان الأستاذ والمعلم يجد الاحترام والتقدير ويضعه تلاميذه في حدقات عيونهم، وقال إنه منذ أن تعسرت المعيشة وأساليب الحياة على المعلم صار كل شيء يمكن تصديقه، لأننا في مجتمع أفراده بشر وليسوا ملائكة.
(الشينة منكورة..!!)
لكن د.حسن الساعوري تحدث لـ(السوداني) على خلفية الخبر المتلعق برشاوى لبعض الأساتذة واصفاً الخبر بالمُحرَّف، مؤكداً أنه تحدَّث مع مسؤول بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي فنفى له أن يكون هذا رأي الوزارة التي تتبرَّأ جملةً وتفصيلاً من مثل هذه الأساليب التي لا تمتُّ للعلم بصلة.
وفي ذات اتجاه د.الساعوري مضى مسؤول الإعلام بوزارة التعليم العالي أسامة عوض الله، قائلاً لـ(السوداني): إنّ وزارتهم لا يمكن أن تُصرِّح بمثل هذه التصريحات. بل حتى الأستاذة رحاب نفت صحة الخبر المنسوب لها ببعض الصحف.
وفي خاتمة المطاف، كان لا بد من الحديث مع دكتورة رحاب عبد الرحمن التي جاء الخبر على لسانها في الصحف حيث قالت لـ(السوداني) –عبر الهاتف- إنها لم تتحدث بوصفها ممثل إدارة التأصيل المعرفي بوزاة التعليم العالي والبحث العلمي بل شاركت بوصفها دكتوره رحاب فقط، وأضافت أنها فقط ذكرت بعض الحالات الفردية القليلة ولم تتناول الموضوع بهذا الحجم الذي نشر بالصحف. وقالت إنها تناولت موضوعات الندوة الرئيسية وهي المناهج والتقويم الدراسي وأوضاع المعلمين، فلماذا لم تتناول الصحف هذه القضايا أو بمعنى آخر (تركوا كل الحديث ومسكوا في كلمتي دي).
(السوداني) حاولت الاسترسال مع د.رحاب لكنها اعتذرت عن الحديث، وفضلت تحديد موعد للحديث بشيء من التفصيل حول الموضوع.
السوداني