أبشر الماحي الصائم

بلاغنا الأخير لمياه كوكو


تحاشيت على مدى عامين أن ألا أكتب هذا الموضوع، إلا انني استنفدت كل الحيل والحلول والاحتمال.. وإن كانت مادته تُعد قضية عامة غير أنني أمثل أحد أضلاعه ذلك مما يحعلني أسند دور البطولة لنفسي.. طالما كرهت عند الآخرين أن يكونوا أبطالا لأحداث بعض مقالاتهم.. فمطلوب منا تناول قضايا الوطن والمواطنين كسائر قبائل المهنيين ثم نترك (باب النجار مخلع).. ولكن ماذا تفعل إذا كنت أنت في هذه المسرحية بمثابة الشاهد الوحيد.. ربما يكون العزاء في أن متضررين آخرين سيستفيدون حال تدارك الأمر من قبل الجهات المسؤولة..

وتعود القصة إلى أن خط مياه فرعياً يمر من أمام بيوتنا ليسقي آخر بيت في الشارع.. بطول مايقارب الخمسين مترا.. بدا أنه مصنوع من خامة غير جيدة مما جعله عرضة للانفجار باستمرار.. بل قد لا يمر أسبوع إلا وينفجر هذا الخرطوش مما يعقد حركة المارة والسيارات في هذا الشارع.. فضلا عن مضار أخرى عديدة منها صناعة مناخ جيد لتوالد البعوض.. وقد ذكر لي أحد المختصين أن انفجار مثل هذه الخطوط يتسبب أيضا في جذب بعض الأوساخ للشبكة عند انحسار المياه.. أما عن حالات تسريب المياه فحدث ولا حرج و.. و..

غير أن ثمة سؤالاً يفرض نفسه.. أين أهل البيت من هاتيك الانفجارات، ولماذا لم يتصدون لمعالجة هذا الأمر الذي يتضرر منه الآخرون.. والإجابة هي أن صاحب المنزل الأصلي يقيم في ولاية الجزيرة وهو يستلم إيجاره الشهري من على البعد.. والمستأجرون لا ذنب لهم وهم يدفعون إيجارهم الشهري ولا يلزمهم أي قانون بتكبد المزيد من النفقات خارج إطار المنزل.. هكذا يبدو الأمر.. وهنا يجب أن تعرفوا أن مثل هذه الخطوط الفرعية يتحمل كلفتها المواطن مع كلفة مصنعية زراعتها.. بمعنى أنك تذهب إلى سوق الله أكبر فتشتري الخرطوش ثم تأتي بمن يحفر الخط ثم تحضر عمال الهيئة للتوصيل وغالبا (ما تناولهم) خاصة إذا كانوا يعملون بعد ساعات الدوام !

مر عامان على هذه الأزمة التي كنا في بادئ الأمر نعمل على الاتصال بصاحب البيت في مقر إقامته بالجزيرة.. وكان في بعض الأحيان يكلف عبر الهاتف من يصلح هذا الخلل الذي ما إن ينصرف السباك حتى ينفجر في جهة أخرى.. في مرحلة ثانية (دقينا صدورنا) وتصدينا لهذا الأمر على أن قرب الدار خير من البعد.. بطبيعة الحال ليس بمقدورننا كجيران أن نترك كل شيء ونجلس لحراسة هذا الخطوش الذي شقى بنا وشقينا به.. ومن ثم دخلنا إلى حل ثالث وهو أن نبلغ الهيئة وقد فعلنا.. كان رجال الهيئة في كل مرة لا يتأخرون حتى ننصفهم.. لكن ما إن ينصرفوا حتى ينفجر الخرطوش من جهة أخرى.. في كل مرة كنت أتحدث مع عمال الهيئة بأن هذا ليس حلا فيجب (تلجين) هذا الخط نهائيا ومن ثم استدعاء صاحبه.. إن لم يكن هذا لصالح الأهالي المتضررين فليكن لصالح حقن دماء ومياه الهيئة.. كانوا يقولون بأن هذه اختصاصات المهندس.. قلت لرئيس العمال في المرة الأخيرة يمكن أن ترفع تقريرا وافيا للمهندس.. قال هذا ليس من اختصاصاته.. ذهبت للمهندسين أكثر من مرة لابلاغهم بالأمر وكانوا يكتفون بإرسال عمال لإصلاح الخط الذي لا يصمد كثيرا بطبيعة الحال !!

ومن الطرائف أن رئيس التيم الذي أصلح آخر عطل منذ يومين قال لي أكتب طلباً للهيئة بأن هذا الخرطوش لا يصلح.. قلت له ليس أنا الجهة المهنية الفنية التي تقرر بصلاحية الخطوط من عدمها.. هو أيضا غير مختص.. و.. و..

أكون محظوظا جدا إذا قرئ هذا المقال من قبل إدارة هيئة مياه ولاية الخرطوم.. ونكون أكثر سعادة إذا وُضع حدٌّ لمعاناتنا التي دخلت عامها الثاني!!

والمدهش أن هذا الحي، حي القادسية بشرق النيل، في ذروة مواسم شح المياه يعاني من انفجارات الخطوط.. كما أن أحد خطوطه الرئيسية يتشكل من مادة الاسبستس الممنوعة عالميا.. وكان الأخ جودة الله عثمان المدير العام السابق للهيئة قد وعدنا بمعالجة الأمر.. غير أن السيد جودة الله قد ذهب وبقي الخط التاريخي بمخاطره !!