أصحاب لبسات السفاري.. الإصلاح يبدأ بالنفس
من المنتظر أن تكون أولى جلسات ورشة لجنة مديري أجهزة الأمن والمخابرات في أفريقيا المعروفة اختصاراً باسم «السيسا CISSA»، حول العقوبات الاقتصادية وتأثيرها على الأمن القومي للدول الأفريقية، قد انعقدت بالخرطوم مساء أمس، وبما أنني أكتب عن السيسا حتى قبل انعقاد جلستها الأولى للموضوع المطروح للتداول هذا العام، رأيت أن أدلي بدلوي حول أمر أراه غاية في الأهمية يختص بعمل هذه اللجنة المهمة والخطيرة، والمعلوم أن هذه ليست المرة الأولى التي تجتمع فيها (السيسا) بالخرطوم وإنما هي المرة الرابعة إن لم تخني الذاكرة، وكانت أولاها مكرسة لمناهضة المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما وأن قيام هذه اللجنة قد جاء بمبادرة من جهاز الأمن والمخابرات السوداني على عهد مديره السابق صلاح قوش، الذي كان قد بادر بطرح الفكرة بأحد الفعاليات الأفريقية الأمنية بإحدى العواصم الأفريقية، وهدف «السيسا» – كما تعرّفه مضابطها – هو التعاون الأمني البيني بين دول القارة المنضوية تحت لوائها، وتزويد الاتحاد الأفريقي عبر مجلسه للسلم والأمن بالمعلومات اللازمة للتنبؤ بالتطورات المستقبلية، ومساعدته على إيجاد تسويات للنزاعات التي تهدد الأقطار الأفريقية، وتعزيز القدرات المعينة على استتباب الأمن والاستقرار في ربوع القارة… إلى آخر هذه الأهداف القطرية التي لا خلاف عليها وليس هناك من يقدح فيها وسيبصم بالعشرة كل من يطلع عليها، ولكن المشكلة تبقى دائماً في وسائل وطرائق التنفيذ، فكم من أهداف ناصعة وغايات سامية حملتها الأضابير والقوانين والدساتير؛ شاهت بفعل التنفيذ الملتف عليها، تقر وتعترف الدساتير بالحريات والحقوق الأساسية وتقدمها للناس باليمين، فتلتف عليها أجهزة الأمن وتأتيها من وراء ظهرها وتأخذها بالشمال، هذا هو الحال في أفريقيا بلا استثناء، الفرق بين بلدانها في السيرة غير المحمودة لأداء أجهزة الأمن فيها، فرق مقدار وليس نوع، بعضها أفضل من بعض فقط في قلة نسبة الانتهاكات للحقوق والحريات قياساً ببعضها الآخر، هذه هي صورة أجهزة الأمن الأفريقية المستقرة في روع الأفارقة في مشارق أفريقيا ومغاربها، وهي كذلك صورة غير مشرفة في نظر العالم الآخر وكل الأحرار والمنظمات المهمومة بحقوق الإنسان.
لا بأس أن تلتقي أجهزة الأمن والمخابرات الأفريقية؛ وتتنادى لكلمة سواء بينها من أجل استقرار أفريقيا وأمنها ورفاهها واستدامة السلام في ربوعها والحرص على تطورها ومستقبلها، فهذه كلها أهداف إصلاحية تحتاجها هذه القارة المنكوبة والموبوءة، ولكن أي إصلاح لابد أن يبدأ أولاً من الداخل، هكذا يقضي المنطق إذا كان المراد إصلاحاً حقيقياً وليس «شعاراتياً» تكون قيمة اللافتة المكتوب عليها أقيم منه، كان على أجهزة الأمن والاستخبارات الأفريقية أن تُعنى بأدائها الداخلي وتتعاون على تحسينه بما يتوافق مع المواثيق الإنسانية والحقوق الأساسية وتجعل من ذلك هدفاً على رأس أهداف «السيسا» لا أن تتعاون في جانب على البر والتقوى وتترك الجانب الآخر للإثم والعدوان، وما دام جهازنا السوداني كان هو المبادر بطرح فكرة «السيسا» فلماذا لا يبادر بطرح هذا الجانب المنسي في وثائق السيسا، هذا ما نراه اللهم إلا إذا كان جهازنا الأمني يرى أنه وغيره من الأجهزة الأفريقية على المحجة البيضاء ولا حاجة لهم بأية إصلاحات داخلية.
هذا ان دل على شئ فانما يدل على ذكاء و عبقرية اجهزتنا الامنية التي تتجهز الان لتسلم الدولة االسودانية بعد ان اكتملت اركانها و اصبحت تتحكم في كل صغيرة و كبيرة في الدولة و مجلس الوزراء هو مجلس صوري لا تراه الا في الاعلام , مبروك لكم الدولة الجديدة و لا عزاء للشعب السوداني …