الرجل الذي لم تمهله المهلة
يحكى أنّ ما سيرد من تفاصيل عقب هذا المدخل، قصة حقيقية حدثت لرجل وصديق أعرفه حق المعرفة (ربما تعرفونه أيضا)، ضاقت به الحياة بما رحبت رغم اتساعها الذي كان في أرض السودان، جهجهته المعيشة، وأتعبه الجري و(مساككة) الأرزاق و(فتر خلااااص)، إلى أن هداه تفكيره إلى (الهجرة) إلى بلاد الفرنجة كحل نهائي، وإن لم تتحقق فليكن (اغترابا) إلى بلاد الأعراب كحل مؤقت. وهكذا وكما هو متوقع، تراجعت سريعا فكرة (بلاد الفرنجة) صعبة التحقق لرجل ينتمي في الأصل إلى بلد (مستبعد)، وسريعا أيضا (نضجت) فكرة (الاغتراب) إلى بلاد الأعراب، أو ما يسمى بـ(هجرة اليائسين).. إذن يأس متفائل كبير دفع الرجل إلى (الاختلاج).
قال الراوي: بالطبع لم يكن يملك هذا الرجل ما يعينه على السفر وشراء (الفيزا الحرة)- التي سيكتشف لاحقا أنها ليست حرة – وبما أنه (تهجس) تماما بالفكرة وأقلق بها (ناس البيت)، تكفلت والدته بالأمر وباعت لأجله (قطعة الأرض) الموروثة عن الوالد الذي رحل مبكرا (في الزمن الجميل) ولم يشهد هذا (الزمن الما جميل) كما قالت لابنها الرجل – المغترب وهي تسلمه أوراق الأرض، ومدخر العمر.. وهكذا اشترى (فيزا حرة) بـ11 مليون سوداني، وصلت إلى 13 مليون سوداني بتذاكر السفر وبعض (اللبس والأحذية)… وسافر.
قال الراوي: المأساة تشكلت تماما بعد وصول الرجل بشهر فقط حتى قبل أن يهنأ بأول راتب (نفطي)، إذ أصدرت سلطات (بلد الاغتراب) قرارات فضحت له زيف (فيزته)، حيث اكتشف أنها (ولا حرة ولا حاجة) إنما (كذبة ساااكت).. المهم صدرت القرارات التي سبقتها (بروفة كشات) صغيرة أدخلت الرعب في قلبه، قبل أن يطمئن بأن هناك مهلة لثلاثة أشهر عليه خلالها (تصحيح أوضاعه وإلا سيُرحل بعدها مباشرة إلى مكانه ومقز كيعانه – السودان الحبيب).. جرى الرجل هنا، متفائلا، جرى هناك متشائما، جرى هناك وهنا (متشائلا)، تلفت ووجد كفيلا لئيما يحدجه هازئا (ادفع 11 تاني وأحل قيدك).. تلفت ووجد أن شهرا فقط تبقى وأوضاعه ما زالت (مخطئة) لم تصحح.
ختم الراوي؛ قال: قبل أيام كتب إليّ في الشات:”يا صديقي سأعود بكرامتي، اليوم أنهيت إجراءات الخروج، ما ضاع قد يعود، وما لم يعوض لن يضيع.. سأعود. م. السلامة”.
استدرك الراوي؛ قال: “الجاتك في اغترابك سامحتك.. والطردك من بلدك لابد ينطرد”.