منصور الصويم

في الكتابة الإبداعية


هل يشكل غياب البعد النقدي في الكتابة السودانية العائق الأول أمام تطورها وخروجها بالتالي من حالة الدوران الشكلي الاستعادي؟ والمقصود بالبعد النقدي هنا ليس الوقتية النقدية – الأدبية في التناول، بل ذلك المشروع الفكري المتكامل الذي يتناول الحالة السودانية (شاملة) بكافة أوجهها، بما يتيح توافرها واصطحابها كـ (أسئلة فلسفية) عند الاشتغال على الكتابة سواء أكانت إبداعية أو تاريخية – سيوسولجية أو تنحت في الشأن السياسي وما يرتبط به من راهن الدولة أو مستقبلها، أو في تناولها للفنون الجمالية والتراثية التي تعكس الوجه الثقافي للبلاد.. بصورة عامة كل كتابة تبحث وتتعلق بما هو سوداني صميم.

هل هناك إشكالية حقيقية في توليد وتنمية الاتجاهات النقدية المفكرة في السودان؟ وهل فشلت الأساليب (التعليمية) و(التنويرية المفترضة) للدولة السودانية في نقل العقل السوداني من مرحلة التماسات الأولية مع الأشياء وهي في صورتها الخام – بدائي ليتم تناولها بصورة (مفكر فيها) تحدث خلالها مواجهة ذهنية – فلسفية تساءل وتفكفك وتعيد الهدم والبناء والقطيعة المعرفية الخلاقة. الواقع – واقع الكتابة – يقول إن حالة البساطة والتسطيح التي تسم أغلب – إن لم يكن كل – المنتوج الكتابي المتعلق بما هو سوداني تؤشر فقط على غياب العقل المفكر والركون إلى السهولة في التناول والاستسلام التام للسائد من أساليب في التفكير المتشابه والنقلي.

في الحالة الإبداعية، ولنأخذ (الرواية) نموذجا؛ تتضح لنا بصورة جلية إشكالات الغياب النقدي في صورته الشاملة، بما يعنيه من نظرة فلسفية تساءل الواقع والعالم وتقارب الكوني، فالحكاية – القصة بشكلها المبسط الذي يقترب من الثرثرة و”الونسة” هي الصفة الأبرز التي يمكننا أن نصف بها الجزء الأكبر من إنتاجنا في هذا الضرب الكتابي المتشابك والمتناسق معرفة وفلسفة وأدبا؛ مما يحول هذا الجنس الأدبي لدينا إلى وضعية ما قبل التطور التكويني للرواية بصورتها المدينية – الحداثية وما يعنيه ذلك من مطارحة فلسفية نسقية تحقن العمل الروائي من أول فصوله إلى آخرها، لينتج في النهاية بناء جماليا يهبنا اللذة في قالب فكري – نقدي تخرج بنا من دائرة المتعة السطحية لتدخلنا (براري) الأسئلة والنظر والتأمل والتنشيط الذهني.

لم يتطور المجتمع السوداني الحديث كثيرا عن مجتمع القرون السابقة إلا بقدر الانتقالية المظهرية في الزي وأنواع الطعام وبعض القشور الحداثية المستوردة من العالم المتقدم.

التشابك القبلي – البدوي لا يزال هو الموجه الأول لطرائقنا في التفكير.