خطابنا الداخلي.. هل يعصف بحزمنا الخارجي
هل ندرك أبعاد (خطابنا الداخلي) ومدى تأثيره تاريخيا على علاقاتنا الخارجية!! يتجدد السؤال بصورة ملحة الآن وسط خشية أن نخسر في رمشة عين ما صنعناه بليل الأسى ومر الذكريات.. فموقفنا الأخير الذي ثمنه الدم والمخاطرة بتقديم الأرواح يجب الحفاظ على مكتسباته.. صحيح أنه مقابل خدمة وجهة قيمية حقيقية.. وليس لنا ذنب إن عادت علينا عملية (عاصفة الحزم) بخيري الدنيا والآخرة.. فالخشية أن نخسر هذه الأرصدة الدبلوماسية الهائلة على حين غفلة حماس خطابنا الداخلي.. كيف!! ففي كثير من الأحيان ﻻ يدرك خطابنا الداخلي أن ما نقوله في محلية أمبدة أو في منطقة (شلعوها الجعليين) أو الخوالدة.. أو في عدالغنم أو صقع الجمل أو كبوسبة أو شندي أو أي منطقة أخرى.. أن ما نقوله في حوارينا ومحلياتنا يستقبل في مصر وواشنطن والرياض وطهران والجامعة العربية.. ونحن نعيش في زمن أصبح العالم فيه شاشة واحدة عوضا عن قرية وغرفة و.. و..
وللذين يقرأون بتطرف وأجندة مسبقة، أنا لا أدعو أن نتخلى عن مشروعنا ونلغي مشروعيتنا أو نتنازل عن ثوابتنا.. ولكن أدعو في المقابل إلى تبني مشروع إسلامي حقيقي على الأرض وليس على المنابر وظهور خيل الكرنفالات والاحتفالات.. وليكن تحت شعار الحديث الشريف (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان).. طالما أفرط خطابنا في الحالة المنبرية وفرط في أدبيات ترميم البنية التحتية الاجتماعية والأخلاقية.. هكذا يتهمه الآخرون.. وهنا لعمري نكسب مرتين.. مرة عندما لم نحرض الآخرين حول العالم ضد وجهتنا.. ومرة أخرى عندما نتفرغ لزراعة القيم والأخلاق الفاضلة والتكافل على أرض الواقع لنجعل المشروع في هذه الحالة هو الذي يتحدث عن نفسه ..
* وثمة شيء آخر في غاية الأهمية.. يتعلق بسياق ضبط خطابنا وسقوفاته.. فلا يعقل أن يصعد رئيس محلية منبرا والدنيا كلها شرقها وغربها مرتعا وسقفا له.. يتحدث عن كل شيء بما في ذلك سياستنا الخارجية، وﻻ ينسى أن يكيل السباب إلى واشنطن وصويحباتها والعواصم.. وﻻ ذنب له يومئذٍ وهو يفعل ما يفعله القوم.. وذلك وفق موروثات وأدبيات خطاباتنا التي اعتمدت مبدأ تحريض الرأي العام الداخلي.. ويفوت علينا أن هذا الحديث سيبلغ ما بلغ الليل والنهار وﻻ يعذرنا الآخرون عندئذ أنه غير مرسل لهم.. أو أنه وصل إليهم عن طريق الخطأ !!
يفترض أننا نخضع تجربة ربع قرن من الخطاب الداخلي المرتجل الذي يفتأ يعالج تماسك الجبهة الداخلية.. وفي المقابل يشتت دون وعي وقصد جبهتنا الخارجية مما يجلب علينا المزيد من العزلة.. يفترض أن نخضعه إلى تقييم ومن ثم نحط لكل وظيفة سقوفات وخطوط.. فعلى سبيل المثال إن المحليات مسموح لها فقط الحديث عن البعوض والمياه الراكضة وﻻ تتحدث عن الرافضة.. تتحدث عن تجليس التلاميذ وتحسين خدمات المياه وشبكات الكهرباء.. وفي المقابل يتحدث الوﻻة عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهم غير معنيين مطلقا بما يجري خارج السودان.. وللحديث بقية بحول الله وقوته..