داليا الياس

منطقة رمادية.. ممنوع الاقتراب

كل الذين حولك.. بمختلف صلاتهم وعلاقاتهم ومستوى قربهم الحميم منك، لا أحد منهم يعرفك! حتى أمك التي حملتك وهناً على وهن وتكفلت بك في كل مراحل حياتك لا تعرفك!.. وحتى نصفك الآخر الذي اخترته بملء إرادتك لتقاسمه كل تفاصيل الحياة وتفتح له قلبك وتسكنه روحك هو أيضا لا يعرفك!!

فثمة منطقة رمادية محظورة في إحدى زوايا روحك تظل عصية على الآخرين ولا يدخلها سواك!! هذه المنطقة هي التي تحدد ما أنت عليه فعلياً دون قشور أو أصباغ أو أكاذيب.. تغلقها على حقيقتك المجردة بكل جمالها أو قبحها.. وتضن بمفتاحها على الجميع!

الطريق إليها شائك تحفه المخاطر والمتاهات.. ولا يعلم خارطته إلا إنسانك الذي يحرص غالبا على أن تظل هذه المنطقة بمنأى عن الفضول الفطري للآخرين الذين يجتهد بعضهم لسبر أغوارك وفضح أسرارك والوصول إلى طريقة تفكيرك ومشاعرك قبل أن تطالها يد التغيير أو التجميل، وقبل أن تتأنق وأنت تعبر عنها!

هذه المنطقة الرمادية لها قوانينها وأسلوبها.. تنتهي عند حدودها كل الألقاب والنجاحات والبطولات والأوضاع الاجتماعية.. إذ لا مجال للغرور والزهو والنفاق والمحاولات المستميتة لادعاء الطيبة والمثالية واللطافة والبشاشة والكرم وغيرها من الإيجابيات التي قد لا تكون من صميم حقيقتك الإنسانية الأولى.

هناك ستواجه وحدك عيوبك وأحقادك وسلوكك الخفي وممارساتك الصغيرة السالبة وأفكارك الشريرة وانحرافاتك و.. و.. و.. بحيث تقف أمام نفسك العارية من الأثواب القشيبة المنمنمة.. وتدرك كم أنت صغير وحقير وقبيح أو العكس!!

ولاحقاً مهما صفق لك الناس وابتسمت لهم منحنياً في احترام ستكون في قرارة نفسك أكثرهم معرفة بأن هذا التصفيق أكثر من المعدل الذي تستحقه!

ومهما حاول البعض أن يصور لك أهميتك وعلو شأنك.. ستردك تلك المنطقة إلى الله رداً جميلاً.. وتذكرك بحقيقتك.. فتعيد لك توازنك سريعا!

هذا في حال كنت بشراً سوياً.. ولكن بعض البشر غير الأسوياء يتعامون عن تلك المنطقة ويتجاهلون وجودها فيجرفهم الغرور الزائف ويلقى بهم إلى التهلكة ولو بعد حين غير مأسوف عليهم.

فاحرصوا على زيارة المناطق الرمادية داخلكم باستمرار.. تجولوا فيها متمعنين ومهتمين.. أعيدوا ترتيب تفاصيلها.. واجتهدوا في تغيير بعض محتوياتها.. تلمسوها برفق واركنوا إليها بشفافية وود.. ولا تسمحوا لمن حولكم بأن يقودوكم إلى المجهول حيث يريدون.. ولا تتحولوا إلى فقاعات كبيرة ملونة سرعان ما تنفجر بفعل الضغط أو الحرارة وتصبح أشلاء متناثرة يصعب رتقها من جديد!

تلويح:

ثناء الناس عليك ظن ومعرفتك بنفسك يقين.. فإياك أن تترك يقين ما عندك لظن ما عند الناس!!