عبير زين

طبيباتُ في الشارع!


الطِب مِهنة إنسانية في المقام الأول، وقد تعودنا في السودان على التعامل مع مُنتسبيها بكل الإحترام والنظر إليهم بعين الإمتنان، ولأنها مِهنة حساسة تترتب عليها حياة البشر فإنه يتم إنتقاء من يدرسونها من خيرة وأميز الطلاب ليكونوا اكفاء للقيام بهذه المهام الجسيمة.
يتعاظم دور الطبيب ويتسلق أعلى مراتب الإنسانية عندما يكون هذا الطبيب (إمرأة)، فهؤلاء النساء (الطبيبات) إرتضينَ على أنفسهن أنْ يتركن بيوتهن وذويهن وربما أطفالهن في أوقاتٍ حرجة وظروف صعبة وربما يغادرن منازلهن في أيام أعيادٍ ومناسباتٍ خاصة ليلبينَ نداء الواجب ويقضين الساعات الطوال متجولات بين العنابر يخرسن الأنين ويهدهن المريض.
تعرضت ثمانيةُ وستون طبيبة لأبشع موقف أقل ما يوصف به أنهُ مهينٌ مشينٌ، حين داهمتهن شرطة المحاكم وفي صُحبتها شرطة مكافحة الشغب وألقتْ بمتعلقاتهن خارج (الميز) الذي من المفترض أنه تابع لوزارة الصحة، وتعودُ بداية القصة حين قامت وزارة الصحة في العام 2010م بإستئجار عقار بحي المعمورة لإسكان الطبيبات (ميز)،مائة وخمسون طبيبة يعملن في مستشفيات مختلفة تتراوح وظائفهم ما بين نواب إختصاصيين من مختلف تخصصات الطب، وطبيبات عموميات، وطبيبات إمتياز، يسكنّ بترتيب من الوزارة وتحت إشرافها ويتم خصم بدل السكن من رواتبهن بإنتظام.
تفاجأت هؤلاء الطبيبات بإخطار إخلاء للسكن من قِبل صاحب العقار لأنه لم يتقاضَ الإيجار لمدة عامين كاملين وتهيبن في الدخول في معركة لسن طرفاً فيها، فقمن بإبلاغ الجهه المسئولة عن تسكينهن وهى نفس الجهة التي تقوم بالخصم من رواتبهن بإنتظام (وبدون تأخير)، وتقاعست تلك الجهه حتى إستلمت الطبيبات أمر إخلاء للعقار مِن المحكمة وعندما حاولن التواصل مع الجهة المسئولة مرةً أخرى لم يجنينَ شيئاً سوى الوعود الخاوية بأن تتحمل كل مستشفى إسكان طبيباتها على حده، حينها فضلت بعضهن مُغادرة الميز تجنباً للمضايقات المُستمرة والتلويح اللا منتهي بالطرد ورمي الأغراض خارجاً، وبقى منهن خمسةً وستون طبيبة (من أصل مائة وخمسون) ليس لديهن خيار ولا مكان يأويهن سوى هذا الميز، فطال بِهن الترقب والإنتظار حتى تفاقم الأمرُ و حصلَ صاحبُ العقارِ على أمر مِن المحكمة بإخلاء العقار بالقوةِ الجبرية وصحبته قوة من شرطة المحاكم أمس الأول ألقت بمتعلقاتهن على قارعة الطريق فى منظرٍ مؤلم ومهين!
قبل عام مضى تابعنا بكل الأسف والغضب و الحُنق قضية الطبيبة السودانية التي تعمل بمستشفى منطقة (القريات) التي تعرضت للضرب بالعقال على يد مُرافق مريضة سعودي، وتضامنّا وناصرنا بأقلامنا الطبيبة السودانية رحاب التي تعرضت لأبشع أنواع الظلم حين إتهمها زوجها المصري بفرية العمل في الدعارة، ولم أتصور أو أتمنى أو أتوقع أبداً أنني سأكتب يوماً عن تعرض مائة وخمسين طبيبة سودانية (داخل بلدهن) للإهانة والإهمال بهذا الشكل المُخزي!
همسة: خمسة وستون مِن ملائكة الرحمة يتجولنّ في الطُرقات لا يلوينَ على شئ وليس لديهن خياراً آخراً سوى إنتظار أن تُحل مشكلتهن حلاً جذرياً ويجدنَّ مكاناً آمناً يأويهن دون ترويع أو تهديد.