فدوى موسى

ساخن بارد


طرقات على الباب.. وصوت «الراديو» يخالط الواقع بشيء من التصنت.. «اماني» تهرول نحو الطارق بايقاع من يتوقع غائباً طال انتظاره، ولكنه تفاجأ بالمعتاد.. فتنادى «خالتي سلوى.. دا بتاع العدة» ولأنني أعرف أن اسمي مسجل في كراسته الباهتة.. فقد أخذت آخر مرة ذلك الطقم الزجاجي من صحون الباشري وجوز الصواني.. تناديت عليها أنني قادمة «دقيقة بس البس توبي واجي»، ومخيلتي ذهبت الى ما تحت ملابس «عبدو» حيث بعض الأموال التي يدكنها مني، خاصة وانه يعتقد انني امرأة خرقاء اليد.. فأجد الكنز.. أكثر من قيمة القسط الذي يجب علي أن أدفعه لصاحب العدة، أو الدلالي الكبير.. ولأنني أوفيت بأقساطي دون جرجرة، يظل ذلك الرجل دائماً ما يقوم بعرض الجديد من بضاعته علي أولاً معتبراً أنني امرأة مغندلة، يمكنني أن أخذ الكثير من تلك الأواني وبظرافة زائدة اسأله «عليك الله الحلل ديك المونيوم جد ولا مضروب».. «يا سلوى انتي عارفة وست العارفين.. أنا أصلي ما بجيب حاجة مضروبة، ناس الحلة دي كلها بتشيل مني عدتها شفتي يوم واحدة شكت من بضاعتي..».. «لا، لا والله للأمانة ما في كلام تب».. «طيب المرة دي جبت ليك مخصوص الطقم الجديد من ساخن بارد.. والله دسيتو من ناس النعمة ومريم قلت الطقم ده بشبه ناس سلوى بس».. «شكراً ليك.. اها عشان كلامك دا.. والله اشيلو من غير ما أفاصلك في سعره..».. «اها يختي داير لي كوباية موية باردة الحر الأيام دي نزل عديل.. كوركي للبنية الفتحت لي الباب خليها تجيبها لي..».. فعلا صوتي «يا أماني يا أماني.. قوام كوباية موية باردة» فيلتقط العبارة من فمي «جك موية يا أماني من جكوك الأقساط وكوباية من آخر الطقوم».. فانفقع ضاحكاً.. «برضو بنشرب بعدتنا الراقية».. «اها ما نعمل ليك كوباية شاي قبل ما تمشي».. وأماني تحضر الماء البارد، وذلك الدلال يرمقها بنظرات لم استطع لحظتها تباينها ومقاصدها.. وتتقفى عائدة الى كرش المنزل، والدلال يحتمي بظل الحوش.. «والله أكان جبتو لي فنجان قهوة أحسن لي من الشاي.. نادي بتكم دي وقولي ليها خلي الشاي.. سوي قهوة» فلم أجد عندها إجابة إلا قول «والله ما عندنا بن» فيخرج من حشا الأواني كيساً ممتلئاً بالبن المسحون.. فاضطر الى إعداد الفنجان بنفسي محذرة «أماني» من الخروج الى الحوش.. وعلى عجل اتيته بفنجان الشاي.. وفاجأته قائلة «اها طقم الساخن بارد بي كم يا خوي لو عايزاهو كاش داون».. «بالأقساط بمئتين وخمسين، وكاش بمئة وثمانين».. خلاص بكرة تلقى المئة وتمانين جاهزة عند مصطفى سيد الدكان الجنبنا، عشان عبدو ما بيرضى دخلة البيت وهو مافي..» ليصمت مسافة ويردف «يا سلوى.. أكان جيت خطبت البت دي من عبدو بتوافقوا علي خطوبتي..» كأن صاعقة نزلت على رأسي «يا زول دي بت جامعية وأصلها الأولى في دفعتها تعرس ليها دلالي» ليرد في نزحة زائدة «مالو الدلالي ما كسيب وعرق جبينو حلال.. يعني شنو انتي من زمن المستوى التعليمي والفاقد التربوي.. يمين بالله تناديها وتشوفي رأيها شنو؟».. «يا زول هوي احسن ليك ما في داعي للاحراجات والتجريح».. «أنا مصر».. «يا أماني يا أماني تعالي اسمعي الكلام دا.. الزول دا قال.. »

آخر الكلام :

فتطرق أماني خجلة الى الأرض ويتلون وجهها بألوان الفرح.. وتمر الأيام وتطرق الباب حاملة ذلك الطقم الزجاجي على أن أخذه منها على قسطين.

مع محبتي للجميع