ذكرى الداعية محمد سيد حاج
زارني بالأمس شاب من أقربائي معروف في أوساط الأهل بحبه وتعلقه الشديد بالشيخ الداعية رحمه لله محمد سيد حاج، وسبحان الله أول ما أطل علي تذكرت راحلنا الشيخ على الفور، والذي تمر علينا هذه الأيام ذكرى وفاته التي حدثت في مثل هذه الأيام قبل نحو خمسة أعوام، لأعود بذاكرتي لأتذكر ولو اليسير جداً من سيرة هذا الداعية المحبوب، فأنا لا أدعي معرفة بالراحل تؤهلني لنعيه نعي من يعرف فضائل شخصه ويحيط بجلائل أعماله في مجالات الوعظ والإرشاد والتأليف الديني، فحظي من كل ذلك قليل وعابر ولا يتعدى سوى لحظات استماع للراحل وهو يعظ أو يرشد أو يلقي درساً في هذه الإذاعة أو ذاك التلفاز، وكانت أكبر فرصة أتاحت لي متابعته في أحد الرمضانات كان قد قدم خلاله برنامجاً يومياً عبر شاشة الفضائية السودانية وكان برنامجاً مفيداً من حيث المضمون وشائقاً وجاذباً من حيث التقديم والطرح الذي كان الشيخ الراحل يجيده، وكان وقت برنامج الشيخ، والشيخ نقولها هنا ليس لاعتبارات السن وإنما لضرورات التقدير والاحترام لبذل هذا الرجل الشاب وجهده، كان وقت ذاك البرنامج الذي يسبق موعد الإفطار بلحظات من أمتع أوقات رمضان بالنسبة لي، حيث لم يكن يفصل بين تناولي لوجبة الشيخ المعرفية الدسمة وتناولي لطعام الإفطار سوى الوقت الذي يسمح بتلاوة ما تيسر من آي الذكر الحكيم ورفع الأذان، ولهذا فإن حديثي عنه ونعيي له هو نعي مستمع عابر أحبه لله أكثر من كونه نعي عارف بالشيخ ومحيط بمناقبه، ربما هو الصدق البادي في نبرات صوته الشجي الندي وربما هي طريقته السهلة السلسة غير المتكلفة، أو ربما لأنني لم أشعر قط بأنه يماري أو يداهن حتى عندما يتطرق لما أخالفه فيه الرأي من غير المعلوم في الدين بالضرورة وأساسيات العقيدة، فرغم أنه كان من رموز هيئة علماء السودان ويحتل فيها منصباً مرموقاً إلا أنه كثيراً ما لا يوافقهم الرأي بل وينبري بكل شجاعة لانتقادهم علناً ومن على منبر المسجد الذي يؤم فيه الصلاة كما حدثني بذلك من قبل قريبنا الشاب..
كان الشيخ الراحل وهو في محيطه الدعوي يبدو لي مثل صديقنا فيصل محمد صالح في فضائه الصحفي، ليس من حيث تشابه نبرة الصوت التي لا يجد من يعرف الاثنين صعوبة في اكتشاف تشابه صوتيهما وإنما قبل ذلك لصدق كل منهما في مجاله، كنت أعرف ذلك ولكني لم أكن أعرف أن الشيخ الراحل تربطه صلة قرابة قريبة جداً بزميلينا وصديقينا الصحافيان مصطفى سري في لندن وسليمان سري إلا بعد نبأ وفاته الذي أحزن الكثيرين من مخالفيه قبل مريديه وتلك هبة الله يمنحها من يشاء من عباده الصادقين وكان الشيخ من هؤلاء الذين نالوا قسطاً وافراً من محبة خلق الله…
وإذ تطل علينا الآن ذكرى رحيله ما كان لي أن أتخلف عن التذكير به وبما قدمه وأنا أحد محبيه وإن اختلفنا، كان ذلك الاختلاف قليل أو كثير، فهو رجل حتى في الخلاف معه تصدق فيه عبارة الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ولهذا كان لا بد لي أن آتي على سيرة هذا الشيخ ولو بالنذر القليل جداً الذي أعرفه وذلك أضعف الإيمان..
الا رحم الله الفقيد و اسكنه فسيح جناته مع الصديقين و الشهداء و حسن اولئك رفيقا” , كلما استمع اليه اتذكر قيمة الصدقة الجارية و ليس افضل من علم ينفع الناس .