“عاهرات دبي”.. استدراكات على المقامات
بالطبع ليس الهمذاني وحده، من يوحي إلى الكاتبين اليوميين (مثلي) بتقفي أثرهم الأسلوبي، لأنه ليس صاحب المقامات الوحيد، فهنالك من السابقين الحريري والزمخشري ينتصبان جنباً بجنبه ويقفان كتفاً بكتفه، ومن اللاحقين مع إحسان الظن به كثيراً وإساءته أحياناً، الأستاذ (حازم صاغية)، وهو من وجهة نظري أحد أهم الكاتبين في زوايا اليوميات، وأن لكتابته أثراً لا يضاهى وسمتاً لا يُناظر وحججاً لا تُقارع.
وإن كان لي هنا أن ابتدر مقامات المحدثين من (الإعراب) فليس مثل (صاغية) نظير ولا صنو ولا مثيل، فقد كتب بيومية الحياة اللندنية السبت ١٨ أبريل، بأن فرويد تحدّث عن ثلاثة جروح أصابت نرجسيّة الكائن البشريّ: مرّةً حين أعلمه كوبرنيكوس بأنّ أرضه هي التي تدور حول الشمس، وأنّ الشمس، لا أرضه، محورُ الكون. ومرّةً حين قال له داروين إنّ أصله حيوانيّ وغير موصول بأيّ سماء. وثالثةً حين أنبأه فرويد نفسه بحدود وعيه الذي خاله مطلقاً، فبيّن له كم أنّ لا وعيه، وليس له يد فيه، متمكّنٌ منه. فالبشر تجرح نواقصُهم كراماتِهم، والجرح يكبر كلّما كبر الفارق بين الواقع الفعليّ وصورته المؤمثَلة.
ولأن البشر تجرح كرامتهم نواقصهم كلما اتسع الفرق بين واقعهم الفعلي على الأرض والصورة المثالية التي يرسمونها لذواتهم، بحسب ما نقل (صاغية) عن (فرويد). فإن تحقيقاً نشرته يومية (الرأي العام) الأسبوع المنصرم تحت عنوان (الدعارة السودانية بدبي أصبحت الأقذر والأرخص والأكثر انتشاراً)، أفرز ردود أفعال غاية في الغرابة والعبثية لعل أبرزها اعتذار صحيفة (الانتباهة) لدولة الإمارات وللسودانيين المقيمين فيها عبر مقال موسوم بـ (عذراً أهلنا بالإمارات.. إنهن عاهرات) مقال جندت له (فلذات أكباد) البلاد مستشهدة بمساهماتهم في بناء الإمارة الخليجية، فأتت بكمال حمزة مدير بلدية دبي الأسبق، وأردفته بالسادة السني بانقا، عبد الشكور عطية، المستشار صالح فرح، البروفيسور هادي التجاني، مولانا علي إبراهيم، وتاج السر حمزة، ولم توفر عالماً سودانياً إلاّ وجاءت به تعضيداً لاعتذارها المشفوع بكلمات تتقطع جراءها نياط القلوب، قالت الانتباهة “تعترينا غصة تسد الحلوق وتفطر الكبد لثلة عاهرات حاولن أن يدنسن هذا التاريخ العظيم، يساندهن بعض (المايعين الشاذين) الذين فقدوا الحياء، فتطاولت بذاءاتهم ومجونهم وفجورهم الخادش لتلوث هذه السيرة العطرة وتقدح في تلك الوجوه النضرة والوضيئة، فعذراً أهلي الكرام بدولة الإمارات الشقيقة، إنهم شواذ وعاهرات”.
ليست الانتباهة وحدها، بل حتى جل ردود الأفعال الشخصية في سياق التعليقات على التحقيق في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإليكترونية، جاءت على خلفيات تشبه اعتذار الانتباهة.
وعلى هذا النحو، بدا تناول موضوع امتهان سودانيات للبغاء في إمارة كجرح أصاب نرجسيّنا، في حين كان الأجدى أن نعترف بأن الأمر عادي وأن هذه الشريحة موجودة في كل المجتمعات، ولسنا نحن من أحدثناها وابتدعناها، وأن هؤلاء المومسات ضحايا لزماننا السوداني الرخو هذا، فلنبحث عن طرق لإنقاذهن بدلاً عن شتمهن والتبرؤ منهن، والاعتذار لآخرين لديهم مثل ما لدينا وربما أكثر.
بصراحة مقال جميل ومفيد وصادق .. العهر الجسدى الذى تمارسه المومسات اخف واقل تأثيرا وضررا من العهر النفسى والأخلاقى الذى يمارسه الساسة !!!