قَسَم كرتي!
-1-
قبل عام من الآن، أجريتُ ومعي الصحفية النابهة لينا يعقوب، حواراً ساخناً مع وزير الخارجية المحترم السيد علي كرتي، وسألته أثناء الحوار:
لا زالت الخارجية تُدار بعقلية التمكين، وتم حجز عدد من الوظائف الدبلوماسية لأعضاء ينتمون للمؤتمر الوطني؟
كان رد كرتي واضحاً وقوياً، ومصحوباً بقسم مغلَّظ، وقال لي:
(لا إطلاقاً. أنا من وزارة العدل، ولم أفتح باباً لأي أحد لأن يحدِّثُني حول اسم معيِّن. قدم أناس لوزارة الخارجية، وهذه ثاني دفعة نقبلها، هم ثلاثون من السكرتيرين الثوالث، ولم نفتح باباً للحديث عن وساطة. أنا طلبت من اللجنة التي تقوم بالمعاينات أن تؤدي القسم، وفي حال اتصل بهم أحدهم أن يبلغوني).
لم يكتفِ الوزير علي كرتي بذلك، بل أضاف:
(أقسم بالله العظيم، أني لم أفتح باباً لأحد للحديث معي حول أي شخص، ولم يتم قبول شخص إلا بكفاءة).
-2-
حينما اطَّلعت على اتهامات جهيرة لعدد من الدبلوماسيين للوزير، بأنه تجاوز في الترقيات والتنقلات الأخيرة، أعرافاً ولوائحَ عتيقةً، ظلَّت تحكم الخارجية منذ تكوينها؛ تذكرتُ ذلك السؤال وتلك الإجابة، واستعنتُ بالعم غوغل لإحضار نصَّيْهما.
ملخص الاتهامات كان الآتي:
(الترقيات غلبت عليها الانطباعات الشخصية، وقامت بها قلَّة متنفذة حول الوزير، خدمةً لأجنداتهم وتصفية لحسابات مع أصحاب الرأي والاستقلالية من السفراء والدبلوماسيين)!
ما ذُكِرَ آنفاً، قد يكون انطباعاتٍ أو تعبيراً عن مرارات وظيفيَّة، ولكن ما لفت نظري ما ورد في التحقيق المتميز للصحفية أميرة الجعلي بـ(اليوم التالي)، فقد ذكرت الآتي:
(خلافاً للتقاليد والأعراف المهنية الصارمة التي تميزت بها وزارة الخارجية، فإن العملية تمت بعيداً عن الإدارات المسؤولة، وعلى رأسها «الشؤون الإدارية» باعتبارها جهة الاختصاص الفني. فقامت الإدارة العليا بتجميد إعلان لجنة الترقيات التي تؤدي عملها بالصورة المعروفة وفقاً للتقاليد المرعية تاريخياً، والتي اقترحتها الشؤون الإدارية ووافق عليها الوكيل، وأنيطت رئاستها لأحد كبار السفراء.. فاستعيض عنها – فجأة – بمجموعة أخرى، أوكلت إليها أعمال الترقيات، مجموعة تضم سفراء في درجات أقل، وتحت إشراف سفيرة حديثة ومعينة سياسياً قبل فترة وجيزة وفي درجة رفيعة)!
-3-
إذا كان ما ورد في التحقيق الصحفي صحيحاً، فهذا يتنافى تماماً مع ما ذكره لنا الوزير علي كرتي في حواره قبل عام، وأقسمَ عليه وهو يشير لنزاهة خالية من الشوائب في إدارة شؤون الوزارة والعاملين فيها من قدامى الموظفين إلى حديثي التعيين.
أكثر ما يؤكد وجود خلل ما في قرارات الترقيات الأخيرة، هو الإشارة الذكيّة التي أوردتها أميرة الجعلي في تحقيقها:
(حركة الترقيات تجري في الخارجية كل عام، وتُقابل بقليل من النقد، لكن هذه المرة تجاوزت درجة النقد كل المستويات السابقة.. لتذهب إلى الطعن في الدوافع والنوايا).
التجاءُ الدبلوماسيين لأجهزة الإعلام لعرض تظلُّماتهم، يُعطي مؤشراً على وجود انسداد في قنوات التواصل داخل الوزارة!
-4-
قناعتي الشخصية، أن الوزير علي كرتي رجل صادق في ما يقول، وأصدق في ما يقسم عليه، وثقتي به كبيرة، لذلك كنت أنتظر رداً ناجزاً على ما أثير، أنتظر رداً منه بوصفه وزيراً، أو من الخارجية كوزارة، عبر الناطق الرسمي السفير علي الصادق!
وإلى أن يتم تصحيح الخلل، أو توضيح ما حدث، يظل ما قيل اتهامات جدية، ستظل مُعلَّقة على البوابة الجنوبية لوزارة الخارجية!
Who cares, this is Sudan not Great Britain !!.