عندما أفرحت ممثل جهاز الأمن
٭ كان ذلك أمام محكمة الخرطوم شمال التي مثلت أمامها في قضية نشر كشاهد خبرة حسب رغبة المدعى عليه قبل نحو عامين، بينما كان المدعي هو جهاز الأمن نفسه، والذي مثله اثنان من مستشاريه القانونيين. طرح عليّ أكبرهم سؤالاً يطلب فيه رأيي حول ما ينشر على الإنترنت من أخبار وتقارير. كانت إجابتي أن ما ينشر على الإنترنت لا يتمتع بمصداقية مؤكدة، ولهذا يجب على المتصفح أن يأخذ ما يرد فيه من معلومات وأخبار وتقارير إلى آخره بحذرٍ شديد وعدم التسليم بها، وعليه إن كان الأمر يهمه أن يسعى للتثبت والتحقق من المعلومة أو الخبر أو التقرير، وإلا فلا يسلم بالمعلومة ولا يؤسس أو يبني عليها أي حكم أو رأي أو فعل، وأسست إفادتي هذه على أن ثورة المعلومات التي اجتاحت العالم والتطور التكنولوجي الذي رافقها كتفاً بكتف مع ظهور وسائل الاتصال الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، كل هذا أدى إلى سهولة أن ينشر من يشاء ما يشاء من معلومات وأخبار بشكل عاجل وسريع دون أي التزام بشروط واستحقاقات ومطلوبات النشر الصحفي الذي له ضوابطه وأخلاقياته المهنية المعروفة والمرعية لدى الصحافيين المحترفين، ومن ثمّ فإن مثل هذا النشر قد لا يخلو من الغرض والمرض ويفتح الباب لنشر الشائعات وتصفية الحسابات وإشاعة الأكاذيب، ولم أنسَ بالطبع أن أضيف في إفادتي أن النشر الإلكتروني عرضة أيضاً للاختراق والتحوير والإضافة والحذف على النحو الذي يرغب فيه المخترق والعبث كما يشاء بالمادة المنشورة بعد أن يهكر الموقع أو يستولى على الحساب الشخصي في الفيسبوك أو البريد الإلكتروني إلى غير ذلك من الألاعيب والجرائم الإلكترونية، وكان ممثل الجهاز يبدو سعيداً جداً مع كل كلمة أنطقها، بل إنه أكثر في شكري حتى كاد أن يودعني إلى خارج القاعة، مع أنني لم أقل غير الحقيقة التي أعرفها صدعت بها ولم أبالِ إن أسعدت المدعي أو أغضبت المدعى عليه، فلم تكن تهمني قيمتها القانونية عند أي من الطرفين بقدر ما أهمني أن أقول ما علمته وخبرته بكل حق وصدق..
بهذه الخلفية أنظر للمعلومة الخاطئة التي تضرر منها رجل الأعمال أسامة داؤود وأزعجت أسرته وكل معارفه، وأبدأ أولاً بالاعتذار له وللجميع على هذا الخطأ غير المقصود أو المتعمد، وإنما تم بتقديرات كانت عجولة ولم تكن موفقة، ثم أقول ما من بأس أن يكون الإنترنت من مصادر العمل الصحفي بل حتى الشائعة، شريطة أن يوضع ما جاء فيهما تحت مجهر الفحص المهني للاستيثاق والتأكد من انطباق شروط الضبط المهني عليهما، ولكن وكما أقول دائماً إن الصحافيين ورغم وعيهم بمحاذير المنشورات الإلكترونية، إلا أنهم لم ينفكوا يقعون في مثل هذه الفخاخ بحسن نية في الغالب وليس في السودان وحده، فيخطئون من حيث يظنون أنهم يحسنون صنعاً، وظني أن ما يؤدي إلى هذا المنزلق يعود لطبيعة المهنة المرهقة ذهنياً إلى جانب شراسة التدافع المهني…
مفروض العنوان الكبير يكون (اعتذار واجب لأسامة داوود واسرته) بطل اللف والدوران / فعلا لقد أفرحت الأمن ولكنك أحزنت آل داوود)