د. ياسر محجوب الحسين

السودان .. هجوم أوروبي


لا نقول إن مواقف الغرب السياسية مبرأةٌ من الغرض والمعايير المزدوجة، بيد أن بيان دول الترويكا ودول الاتحاد الأوروبي (28 دولة) بشأن الانتخابات السودانية الأسبوع الماضي شكّل طعنة نجلاء لشرعيتها، خاصة في ظل ضعف كبير في إقبال الناخب السوداني عليها.. ولعل انفعال الخرطوم الزائد تجاه البيان يؤكد أثره البالغ على محاولات مستميتة لتسويق الانتخابات في وقت كان فيه البحث جاريا عن سند دولي يسهم ولو بنذر يسير في دعم عمليات التجميل والتسويق.
ويقول البيان مستبقا إعلان النتائج الرسمية للانتخابات إن “التضييق على الحقوق والحريات السياسية، وانعدام الحوار الوطني الصادق، واستمرار الصراع المسلح كلها مسببات لما ورد عن انخفاض المشاركة بالانتخابات وانخفاض المقترعين فيها”.. واعتبر البيان أن الخرطوم فشلت في تهيئة بيئة انتخابية حرة ونزيهة ومشجعة.. وفورا استدعت وزارة الخارجية السودانية، سفراء كل من بريطانيا والنرويج والولايات المتحدة الأمريكية، ومندوب الاتحاد الأوروبي بالخرطوم، ونقلت إليهم احتجاجا شديد اللهجة، على موقف الدول الأوروبية ودول “الترويكا” من الانتخابات.. وعدّت الوزارة الخارجية موقف “الترويكا” تدخلا سافرا في شؤون البلاد، لكن لو أن البيان تضمن إشادة لما عدّ تدخلا ولعزفت الخارجية السودانية نشيدا.
وظهرت الفجوة العميقة بين الجانبين، حينما اعتبرت الخرطوم الموقف الأوروبي تشكيكا فيما تسميه بـ”الشرعية الدستورية” بينما لا ترى دول أوروبا و”الترويكا” أن حكومة الرئيس البشير تستند لأي شرعية.. وظلت تلك الدول تحث الخرطوم على إجراء حوار وطني مع الأطراف السياسية السودانية الأخرى، إلا أن الحوار أصبح في نظر معارضي البشير، وصفة تستخدم عند الحاجة لتخفيف الضغط السياسي على نظام الحكم في الخرطوم دون أن تكون هناك جدية أو نوايا صادقة.. ومعلوم أن البشير كان قد طرح مبادرة سياسية أول العام الماضي وبدت لأول وهلة كوصفة سحرية لأزمة شاملة ومتطاولة، تتخطى لأول مرة دوامة الاضطراب السياسي.. تلك (الوثبة) وهو الاصطلاح الذي أطلقه البشير على مبادرته، اعترفت صراحة بعدم توفر الحريات السياسية والصحفية ولذا تضمنت قرارا جمهوريا بإطلاق الحريات السياسية والصحفية.. في فبراير الماضي صادر جهاز الأمن والمخابرات (14) صحيفة مرة واحدة بعد طباعتها مباشرة، وشكّلت الصحف المصادرة (80%) من مُجمل الصحف اليومية.. وليست الغرابة في مبدأ المصادرة فتلكم عادة شبه يومية، ولكن الغرابة في كم الصحف المصادرة وفي مبلغ الجسارة التي تمت بها.
وغض حزب المؤتمر الوطني الحاكم برئاسة البشير الطرف عن حقيقة أن الانتخابات تواجه ظروفا مختلفة تماما عن ظروف آخر انتخابات، فانتخابات 2010 وجدت دعما دوليا لأنها كانت الأولى بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل في 2005 والتي جاءت بالحركة الشعبية المتمردة سابقا في جنوب البلاد شريكا في الحكم.. وجاءت في إطار فترة انتقالية أرادت لها القوى الدولية أن تمر بسلام حتى يجري استفتاء لأبناء الجنوب يفضي إلى انفصال.. لذلك وفّر لها المجتمع الدولي دعما ماديا وفنيا لإنجاحها.. أما هذه المرة فإن المجتمع الدولي كان واضحا أنه سوف يشكك لا محالة في مصداقيتها.. ولو أن الخرطوم وضعت في اعتبارها هذه المعطيات الماثلة لما أصرت على إقامة الانتخابات تحت أي ظرف ورغما عن أنف القوى السياسية الأخرى.
واستبقت الخرطوم الانتخابات بتعديلات في الدستور عبر الأغلبية الميكانيكية للحزب الحاكم في البرلمان وكان أبرز ما فيها تعزيز صلاحيات جهاز الأمن بل جعلها صلاحيات مطلقة، فقد أعطت الجهاز الذي يتبع مباشرة للرئيس كافة الصلاحيات الممكنة وغير الممكنة، الأمر الذي كرّس مفهوم الدولة الأمنية القابضة، فأصبح للجهاز قوات قتالية تقوم بمهام القوات المسلحة، فضلا عن سلطات واسعة في الاعتقال والتحقيق مثل اختصاصات الشرطة، بل إن الأمر الأكثر عجباً اضطلاعه باختصاصات سياسية مثل الأحزاب السياسية.
لعل الذي يطعن في مواقف الغرب وإن بدت زاهية من الناحية النظرية ازدواجية المعايير، فذات الغرب يغض الطرف عن مسرحيات انتخابات سيئة الأعداد في دول كثيرة مثل الانتخابات الأخيرة في مصر وفي كثير من الأنظمة القمعية في المنطقة التي لا تؤمن بالديمقراطية ومع ذلك ظلت تجد الدعم والمساندة الكاملة من الغرب ولم تعد الشعوب في تلك الدول تحفظ لها أي نوع من الصدقية، والتنظيمات المتطرفة تستثمر في هذه الثغرة الأخلاقية وتجد الأنصار ممن اكتووا بنيران بطش تلك الأنظمة.


‫2 تعليقات

  1. اسالكم بالله فقط تخيلوا بان اوريا او امريكا غير موجودة او موجودة و لاتعمل انتخابات دورية من منكم لهو الجراة ليقول لنا ان نجري انتخابات ؟؟؟؟ الحكومة في الاصل تجري انتخابات لارضاء من حولهاو ليس لمرجعية دينية او اخلاقية…لا يظن احد ان اوربا او امريكا لها هدفان بل هدف وحيد هو شغلنا بتوافه الامور وجعلنا نتناحر ونتجادل الي ما لا نهاية… الغرب لهو سياسة لكل دولة وموقف متحرك لكل حدث وكل ذلك من اجل مصلحته هو فقط لاغير …. اغمضوا عيونكم واعتبروا ان الغرب غير موجود وسيروا علي منهاج الله والنبوة

  2. منهاج الله اللي هو كيف مثلا” !! , منهج الترابي ولا أسامة بن لادن ولا البغدادي ؟
    الاسلام لم يضع نظاما” للحكم حتى نطبقه و الا ما كان هو دين كل زمان و مكان , الدين الاسلامي وضع اسس للحكم العادل و ترك المنهاج للناس يغيروه متى شاؤا ليتكيف مع حياتهم و تغيرها .
    و تلك القيم لا تختلف كثيرا” عن قيم الديمقراطية الغربية و التى كان من الاولى تبنيها و تكييفها لتلائم ثقافتنا و من بعد ذلك نطورها.
    عندمابدأت الحكومة مشروع استخراج البترول او توطين الصناعة لم تبداء من الصفر بل بدءات من حيث انتهى الاخرون !!.