فدوى موسى

آسف عليك!


٭٭ لم يكن مقدار الصدمة كبيراً أو صغيراً بقدر ما كان الواقع مؤلماً عندما حادث «عبدو» «صفية» قائلاً : «أنا آسف لك .. أنت شابة ناضجة وجميلة لماذا تعملين مع مجموعة الود القسيم .. هؤلاء القوم جبابرة وفطاحلة في جورهم وظلمهم لمن يعمل معهم أو يقربهم أو يقع في محيط تعاملاتهم، «صفية لا تعرف ما تقوله لهذا العبدو» الذي بالأمس القريب قد جادت قريحته ببعض تنصل واضح وهو يروح عنها ويتركها في موقف لا تحسد عليه من إعادة اجترار الإنهزام، موقف صغير جعلها تندفع للإنضمام للعمل معهم .. والدتها المريضة التي يحتاج علاجها للكثير من الصرف، كادت في نوبتها الأخيرة أن تعبر الحاجز بين الدنيا للآخرة و«عبدو» إلى جوارها يمارس العجز وضياع الحيلة .. إلى أن جاء «القسيم» وأخذ بالموقف لبر السلامة، وفتح الطريق لها لتلك الوظيفة المرموقة التي حالت بينها وتكرار موقف الفاقة ومسيس الحاجة ونظرة «عبده» البلهاء التي لا تغني ولا تثمن من جوع ..

٭٭ هكذا كان الطريق للذين يلومها «عبدو» اليوم على جورهم، وهو يمارس في لحظات الحزم «الروحان» .. ولأنها أصيلة عاهدت نفسها أن تفعل ما هو «صاح» دون أن تكترث للآخرين .. ولكن ما يزال «عبدو» يدخل ويخرج بلا طائل إلا الكلام الجارح، وعندما تمتحنه في مخامص هامة ينطوي بعيداً ويتركها لحالها فتحتار في سيموفونية عزفه النشاذ لوجوده جنبها وابتعاده ساعة الامتحان الصفرية .. ثم أطاحتها ببذل هذا «القسيم» الذي تنفرج على يديه بعض الصعوبات على تعقيداتها .. ثم يعاود «عبده» .. «أنه آسف عليها».

٭٭ ناس بالمرة جافونا ! .. تكرار الحر وسخونة الأحداث يترك المجال للهبوب .. الهواء الساخن يكاد يلفح سطح البشرة ويعمق الأثر إلى داخل الأدمة .. صوت «السموم» وسفاية التراب تخلق الإحساس بصحراوية المشاعر وجفافها والأزيار المكسرة وأشباح الأطياف تماثل ترادف ألم بالخراب والدمار وشمولية الخواطر الكسيحة .. كل هذه الأطياف تزيد التحسس وفرط الحاجة للحنان .. فالحياة فاق فيها مزيج الوجع مكون الفرح، والأذن تحن لسماع أصوات كثر إفتقدتها .. لعوامل التعرية .. أما لأن الظروف عرتهم من جلابيبهم وسترتهم وأخرجت عورات عوزهم وحوجتهم .. أو أنهم ابتعدوا من المجال والحدود .. وفي كل آثروا أن يكونوا بعداء وفرقاء وأشتات الأشتات، وفي الركن الذي يعصمهم من تطفل النظر ووعثاء الطريق للمستقر .. الآن ليس عيباً أن تبتعد عن أنظار المحيطين عندما تجد أنهم «قد جافوك في مرة» وليت الحلوة تعود .. حيث لا حلو ولا طاعم إلا ما كنت عليه قائم من ترميم وإعادته في جوف مشاعرك الجافلة المتغربة المعذبة .. ولا مفر من الإكتواء بمشاعر السلب الخالية من الإيجاب .. «أها يا ناس الناس بالناس والكل برب العالمين».

٭٭ آخر الكلام :

الانقياد بوعي أولا وعي نحو الشيء قد لا يكون دائماً محكوماً بإيقاع الحكمة والتعمق، وأحياناً كثيرة تكون الأشياء ليست هي الأشياء .. ولكن الخروج هو التحدي الذي يقودك للاحساس بالفقدان والوحشة وجفاء الناس لك في حين مخمصة.

«مع محبتي للجميع».