سبب الريد
# تُرى إلى أي مدى أصبح الحب مبرراً لانتهاك الأعراض واستغلال الأموال واستباحة الكبرياء؟! إلى أي مدى أصبح مجرد كلمة نبيلة تُستخدم لتحقيق أغراض وضيعة لا علاقة لها بالإنسانية والجمال؟ وكيف يحتمل العديد من الشباب والشابات الخضوع لسطوة مشاعر زائفة يدركون تماماً أنها بلا مستقبل وبلا مسؤولية وبلا أخلاق؟!
نحن الآن على أيامنا هذه نكاد نرى التلاعب باسم الحب رأي العين بعد أن كان لا يتجاوز بعض الحالات القليلة المكشوفة, لقد بتنا نستسلم للدخول في التزامات عاطفية لا ندرك أبعادها الحقيقية، ولا قبل لنا بالتعاطي معها بصدق وجدية، وأصبحنا نلهو بعبارات الحب كيفما اتفق, حتى وإن كنا نعلم أن الطرف الآخر هذا غير معني بالإخلاص أو الالتزام لنا.. وإن محبتنا العظيمة التي يدعيها لا تعدو مضيعةً للوقت أو إطاراً براقاً يحتوي على صورة قبيحة لرغبات حيوانية أو أغراض شيطانية تزول بزوال الشبق الذي يحرضها!!
# لقد كانت للحب أسبابه القديمة الحالمة والعفيفة التي تصبو لنوال رضا المحبوب، وتتمنى أن تحظى برفقته الأبدية التي تمثل غاية السعادة والارتياح.. وكان المحبون لا يألون جهداً في سبيل إنجاح علاقاتهم العاطفية وتكليلها بالشرعية اللازمة لتحقيق ذلك, مهما كانت أوضاعهم وظروفهم وإمكانياتهم.
وكانت البيوت تؤتى من أبوابها.. بيد أنها الآن تؤتي عبر الأثير والإسفير بصورة سافرة وصفيقة، بينما تغط الرومانسية في نومها إلى جانب أولياء الأمور.
فبأي حق نجعل الحب ذريعة لممارسة الرذيلة أو النصب على المحبوب وسرقة أحلامه وطيبته ومشاعره؟ وكم من الجرائم باتت ترتكب باسم (الريد) والاصطفاء؟ وكم عدد البنات اللائي فقدن كرامتهن وعذريتهن فقط لأنهن اعتقدن للحظة أن هذا المحب الزائف هو سيد رجال الكون الزي يحقق الأحلام؟!
# لم تعد نظرات العيون ولا سمو الأخلاق ولا الميل القلبي العارم والصادق ولا حتى الكيمياء البشرية التي كثيراً ما تحدد نسبة نجاح المشاريع العاطفية تكفي لخلق علاقة ناجحه، فلم يعد النجاح هو الهدف، ولكن الكثيرين يكتفون بقضاء بعض الأوقات الحميمة اللطيفة.. ويستمتعون بتلقي الهدايا وبطاقات المعايدة الأنيقة ثم يضربون بكل الوعود التي بذلوها والمشاعر التي تحدثوا عنها عرض الحائط تاركين وراءهم جراحاً غائرة لا يبرئها الدهر!!
ترى كم شاب مستقيم وجاد يرغب في الزواج وقع فريسة لأهواء فتاة لعوب لم يعنها منه أكثر من حفنة من الجنيهات تأتيها على أسوأ الفروض (رصيداً) في جوالها تستخدمه غالباً لإغواء آخر؟
وكم فتاة أنفقت مالها الخاص أو مال ذويها على أحد أدعياء العشق البارعين في تمثيل دور مظاليم الدهر الذين تأبى الحياة إلا أن تعاندهم وتحول بينهم وبين تكليل حبهم بالجدية المطلوبة، فلم يجدوا بداً من الاستعانة بالحبيبة لتفرج كربهم المالية المعتادة؟!
# عذراً أيها (الريد) الحميم الذي تدلهنا بك زمناً وادعينا أنك أكثر حميمية وصدقاً من كلمة (حب) لأنك تعبر عن واقعنا البسيط الخاص وثقافتنا الإنسانية.. عذراً لأننا لم نعد نستحق ما تمنحنا له من سعادة واطمئنان ووله وأمنيات.
فقد بتنا نستهلك معانيك لتحقيق مآربنا الشخصية بأيسر الطرق وأقصرها.. ففقدنا بذلك أغلى المكاسب التي كان بالإمكان أن نحققها، ونحن نستمتع بالشوق والتوق وحلاوة اللقيا.
فيا مظاليم الهوى الزائف.. أفيقوا مما تمارسونه من خداع واحتيال بسم الحب, وكفوا أيديكم عنه.. فصفعاتكم المتوالية على وجهه الجميل كادت تشوه معانيه الرائعة، غير أن ذلك لا يمنع وجود الكثير من الصادقين المفعمين بالمروءة، الذين يبذلون محبتهم لمحبيهم بكل التجرد والإحساس بالمسؤولية والرغبة في تحقيق أعلى معدلات الإشباع العاطفي لهم بكامل الاحترام.
إن أسباب الريد الزائفة بينه.. وأسبابه الصادقة بينه.. وبينهما أمور مختلفات تمشي بين الناس بإهدار الوقت والطاقات والقيم, والمحظوظون وحدهم هم الذين يفتح الله عليهم بحب كبير يلتقون به بغتة أثناء ركضهم اللاهث وراء الحياة الطاحنة، فيعيد لهم توازنهم وابتهاجهم وضحكهم الصافي وجنونهم الحميد.. وهو ما يمنح حياتنا لوناً وطعماً والحمد لله.. فكان (سبب الريد) أهم أسباب الحياة.
# تلويح:
مسكين أيها الحب.. فبعض الناس لم يدرك بعد أنك كلمة الحياة السحرية التي تسمو بالروح وتطهر الجسد.. مسكين.