اللعب بالنار! (2-2)
قلنا بالأمس إن بعض المغبونين يضرمون النيران في المشهد السياسي السوداني من خلال تأليب أبناء وطلاب دارفور وإيهامهم أن الهزيمة النكراء التي تلقتها قوات حركة العدل والمساواة في (قوز دنقو) مُستهدف بها الدارفوريون الذين ينبغي أن يهبّوا للدفاع عن أنفسهم بالرغم من أن من (درشوا) قوات العدل والمساواة هم كذلك من الدارفوريين. وقد خاطبنا السيد الصادق المهدي بأنه لا يجوز لحزب الأمة القومي أن يشارك في هذه الفتنة العمياء التي من شأنها أن تمزق النسيج الاجتماعي وتحيل بلادنا إلى موت وخراب ودمار وتشرد وحرب أهلية لا تبقي ولا تذر.
نود أن نقول للإمام الصادق ولغيره من معارضي النظام إننا معارضون مثلكم وقد دفعنا ثمن ذلك حين أيدناكم في إعلان باريس ولكننا لسنا من أنصار حكمة (البصيرة أم حمد) التي ذبحت الثور حتى لا تكسر الجرة التي أدخل فيها رأسه! ولذلك فإننا نقول للإمام الصادق ولغيره من المغبونين إنكم والله تلعبون بالنار وما أحراكم أن تتعظوا بما يحدث في اليمن والعراق وليبيا وسوريا، فوالله أن بلادنا أكثر هشاشة وقابلية للانزلاق في حرب أهلية طاحنة وكفانا دليلاً على ضعف نسيجنا الاجتماعي وهشاشته ما يحدث من صراعات داخل القبيلة الواحدة فما بالكم بما تقترفه الحركات المسلحة من حروب تدمر بها المناطق التي تزعم أنها تثور من أجلها وترفع شعار تحريرها مما تسميه بتسلّط وقهر المركز؟!.
أقول للإمام الصادق إن عليه أن يعلم حقيقة من انتظم في صفوفهم من حركات متمردة لا تختلف البتة عن حركة قرنق المسماة بالحركة الشعبية لتحرير السودان والتي كانت تشن الحرب على حكومته الديمقراطية وكانت من أكبر عوامل إضعافها ومن ثم إسقاطها على يد الإنقاذ والعجب العجاب أن الإمام كان وقتها وزيراً للدفاع مع رئاسته للوزراء!.
الصادق المهدي السياسي الحصيف المطلع يعلم أن هذه الحركات التي انضوى في صفوفها من خلال (قوى نداء السودان) هي ابنة شرعية لحركة قرنق بل أن أكبرها هي الحركة الشعبية التي تحمل اسم قطاع الشمال، كما تحمل نفس مشروع السودان الجديد الذي تغيّر اسمه لكنها لم تغيّر جوهره ومفاهيمه وأفكاره وقد كتب الإمام عن ذلك وقال أكثر مما قال مالك في الخمر.
هل أيها الإمام من دليل على وحشية ودموية هذه الحركات التي تمنحها من دعمك ووزنك لتحيل السودان أن مُكّنت من غزو الخرطوم أكثر من شهادات الشهود من أهلها؟.
أحيلك إلى بعض الأشرطة التي أرسلتها لك عبر (الواتساب) من تسجيلات الناشطة تراجي مصطفى المقيمة في كندا والتي كانت ولا تزال من أكبر داعمي تلك الحركات، فقد أكدت ما كان معلوماً لديكم ولدينا حين وصفت في آخر تسجيلاتها قيادات الحركات المسلحة سواء في دارفور أو جنوب كردفان أو النيل الأزرق بأنهم (قتلة وسفاحون ودمويون) وطالبت بإقصائهم من خلال (الفلترة) و(الغربلة) مضيفة أننا لن نسمح (للخبوب والكبوب) بأن يتصدروا هذه الحركات. وتحدثت عن كيف تعامل الحركات مقاتليها حين تعاقبهم بالسجن وتقيّدهم وتجوّعهم بحيث لا يحصل الأسير إلا على وجبة واحدة في اليوم واليومين وكيف كانوا يصفّون القيادات التي يختلفون معها ولا أظنك أخي الإمام لم تسمع بقصة القيادي في الحركة الشعبية الهندي أحمد خليفة الذي قتله مالك عقار لمجرد أنه اعترض على قيام عقار بتحويل مليون دولار من أموال الحركة التي تبرع بها بعض المانحين لحسابه الخاص مما كتبت عنه بحرقة الناشطة بين صفوف المعارضة رشا عوض المقيمة معكم في القاهرة.
أقول إن الأسباب التي دعت السيد الصادق إلى الخروج من قوى الإجماع الوطني قبل نيفاشا أكثر إلحاحاً اليوم مما كانت في تلك الأيام فليتحمل ويصبر كما ظل يفعل إعمالاً لنصيحته وحكمته التي لا يجوز أن يتخلى عنها في هذا الظرف العصيب الأحوج إلى حكمته ونبله فالتاريخ لا يرحم فهلاّ عدت إلى حضنك ولذت إلى شعاراتك الحقيقية بدلاً من التحالف مع القتَلة ومصاصي الدماء؟.
إن ما حدث في أرض الرافدين مثل لنا عظة وعبرة ومنحنا درساً بليغاً فقد كان صدام طاغية لا خلاف على ذلك ولا اختلاف ولكن ما حدث بعد صدام من فتنة أكلت الأخضر واليابس وأحالت العراق إلى مستعمرة إيرانية فارسية بعد أن مات وشرد من أهلها ولا يزال الملايين وبعد أن دمرت ولا تزال جعلنا نتروى ونبحث عن الحل السلمي ولو طال أمده بعيدًا عن الاستقواء بحملة السلاح من (الحوثيين) السودانيين بل إني أقسم بالله إنهم أسوأ وأبشع وأكثر عنصرية من حوثيي اليمن.
فهل يريد الصادق المهدي وأبناؤه وبناته أن يقتحم وحوش الجبهة الثورية الخرطوم كما اقتحم الحوثيون صنعاء وهل يريد أن يؤلب كل أبناء دارفور حتى ينحازوا لمتمردي الجبهة الثورية ويشعلوها ثورة جهوية وطائفية وإثنية لا تبقي ولا تذر في كل السودان؟ هل نسي الصادق المهدي وقيادات حزب الأمة أن من حطموا قوات العدل والمساواة في منطقة قوز دنقو ينتمون إلى دارفور مثلهم مثل بعض فصائل الجبهة الثورية؟.
إني أحذر السيد الصادق المهدي فوالله إن من يستقوون بك لا يشبهونك فلا تحطم تاريخك وإرثك العظيم بخاتمة يمكن أن تفضي إلى تحطيم السودان أسوة بدول نراها تغرق في بحور الفتن وتُدمَّر ويُشرَّد أهلها ويموتون بالمجان.
إن من يسعون إلى زيادة مساحة الحريق من خلال زيادة وتيرة الاصطفافات الجهوية والمناطقية والإثنية يلعبون بالنار ويدفعون الآخرين كذلك للاصطفاف لحماية أنفسهم مما يزيد من فتوق النسيج الاجتماعي الممزق أصلاً ويفاقم التوترات الاجتماعية والاحتقان السياسي فهلاّ علم اللاعبون بالنار أنهم سيكونون أول ضحاياها؟.
كفّيت و وفّيت أستاذ الطيب مصطفى.