الطاهر ساتي

طريق الساحل أيضاً..!!


:: الطينة السودانية المجاورة للطينة التشادية بولاية شمال دارفور، قبل الحرب والدمار كان الأهل يلقبونها ب (الكويت)..فالمدينة كانت رائعة وذات حركة تجارية مُدهشة، وكانت بيوت الطين الأنيقة هناك متناسقة مع مناخها شبه الصحرواي، وفيها كل ملامح مدائن أرياف السودان الشمالية.. ولم يكن هناك حاجزاً حدودياً بين الطينة السودانية والطينة التشادية غير فحص هوية العابرين وبضاعتهم ثم ( أهلاً وسهلاً)، ولذلك كانت المنطقة (آمنة و منتجة)..!!

:: وهكذا حال حدودنا مع أفريقيا الوسطى أيضاً، شكلاً ومضموناً.. سهل رملي على طول حدود بلادنا هو الفاصل الحدودي بين بلادنا وافريقيا الوسطى..وأم دافوق السودانية بكثافتها السكانية – العالية والمستقرة – هي التي تحمي الحدود..وبالسهل الحدودي ميادين لكرة القدم وأخرى لسباق الدراجات ومراعي على مد البصر ، وعصراً يلتقي شبابنا وشباب افريقيا الوسطى على تلك الميادين والمراعي، ليقضوا ساعات الرعي و اللعب والسباق بأريحية ومحبة ثم يفترقوا بحيث يعود شبابنا إلى دولتنا ويعود شبابهم إلى دولتهم، ولذلك حدودنا هناك (آمنة ومنتجة)..!!

:: وما لايعلمه بعض سكان وسط البلد هو أن سكان الحدود هم من يدفعون أثمان متاعب الحدود ( موتاً ونزوحاً)..متاعب حدودنا مع تشاد وارتريا واثيوبيا في السنوات الفائتة هي التي أفقرت ديارنا الحدودية وأخلتها من سكانها وجردتها من الانتاج، وتعمير تلك الديار بحيث تعيد بعض سيرتها الأولى بحاجة إلى ( مال وأمان)..وأحسنت الحكومات عملاً وهي تستبدل (حدود المتاعب) ب (حدود المصالح)، مع أثيوبيا وارتريا وتشاد..فالحدود المثالية هي التي تساهم في إستقرار المجتمعات وإنتاجها وتجارتها وتصاهرها، وبها تطوي دول الجوار ملفات (الحرب والنزوح والتهريب)..!!

:: وأخيراً.. بروح الإخاء هذه، مضت حكومة السودان شمالاً وجاءت حكومة مصر جنوباً، لتنعم البلدين عند معبر (إشكيت /قسطل)، إعتباراً من 30 إبريل الفائت، بحدود (التصالح والمصالح)..نعم لقد إكتمل الحلم رسمياً، طريق (حلفا / أسوان)، لنتبادل المنافع وليحل التواصل محل التباعد..وادي حلفا مدينة عريقة، ورغم الغرق والتهجير لم تفقد نكتها، وها هي تنتعش بحراك العابرين عبر الطريق لتعود (سيرتها الأولى)، وتظل كما كانت ( آمنة ومنتجة)..فالفنادق والأسواق و الحدائق وكل معالم الحياة في (مرحلة البناء)، وكذلك الأرض هناك تسترد قيمتها بعد أن كانت (مهجورة).. !!

:: ونأمل أن تكتمل الإرادة السياسية في مصر وتلتقى مصالح الشعبين عبر (طريق الساحل أيضاً) ، بولاية البحر الأحمر، لقد إكتمل الطريق ولكن لم يكتمل طريق الوصول إلى ( حل قضية حلايب).. وليست من الحكمة ألا تكتمل إرادة مصر السياسية بعد رحيل نظام مبارك بحيث تطوي هذا الملف..(حلايب سودانية)، وساسة مصر يعلمون ذلك، وإذا تجاوزت السياسة المصرية (محطة العناد)، فليس هناك ما يمنع بأن تكون كل أرض السودان لأهل مصر وكذلك كل أرض مصر لأهل السودان، أو كما تنص إتفاقية الحريات الأربع..ولو يعلمون، فأن فوائد إتفاقية الحريات الأربع – للبلدين – لاتُقدر بثمن، ولن تتحقق هذه الفوائد – شرقاً وشمالاً – إلا عبر حدود مثالية تلتقي فيها مصالح الشعبين .. !!


تعليق واحد