تحقيقات وتقارير

المعارضة …الصلاة في محراب حميد ومحجوب شريف

أخيراً قررت قوى المعارضة السودانية أن تقود مبادرة لوقف الصراع القبلي ـ حسبما كشفت الأمين العام لحزب الأمة القومي سارة نقدالله ـ وأعلنت نقد الله أن المبادرة ستكون تحت شعار (أرضاً سلاح) ، ويبدو أن القوى السياسية استجابت أخيراً لمطالبات الشاعر الراحل محجوب شريف في قصيدته العصماء:
أرضاً سلاح أرضاً سلاح
لو نتحد ضد الجماح 
نبني الديمقراطية صاح
نبنيه صاح وطن البراح 
وطناً مجير لا مستجير لا مستبد لا مستباح 
أرضاً سلاح أرضاً سلاح

ثم تبعه محمد الحسن سالم حميد وتوسع في مطالبته بوقف الحرب ووضع السلاح واستدعى الحمام ليحلق فوق سماوات الوطن يحمل رمز السلام ويحث أبناءه إلى التفاوض والوحدة، وطالب الحمام أن يغني للوطن والغيم والمطر حتى يعم الخير أرض البلاد في قصيدته أرضاً سلاح
أرضاً سلاح
حم يا حمام لغناك حم
بين رشة الغيم استحم
مافي السماوات إلا خير
الواطة هي المشقوقة غم
مسيوقة سم مبقوقة دم
مفلوقة بالنخب القباح
أدتني من وطني الفقر
وأنا مالي ما محقو السفه والسرقة والسف والصيوع
وأنا حالي صبار الصبر
ودتني في زمني الدموع
وأنا ياني تربال المتر خلتني أجوع
كتلتني بالعطش السجر
وأنا سقا كل هادي الربوع
ولعل حميد الذي جمع ديوانه فأوعى وحذَّر فيه من مغبة استمرار الحرب ودعا فيه للسلام عبر قصيدته الشهيرة “سوقني معاك يا حمام” .. سوقني معاك للسلام، وسلك فيه حميد دروب شعراء الوطن الأفذاذ .. الذين دعوا للغناء إلى القومية ونبذ القبلية والقبيلة امتثالاً بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم اتركوها فإنها نتنة ..ثم كتب شعراء الرعيل الأول .. غنوا للقومية النبيلة مابدور عصبية القبيلة.. تربي فينا ضغائن وغيلة تزيد مصائب الوطن العزيز .. كذلك حميد حاول أن يلملم أطراف الوطن الجريح المنكوب والمتكوي بنيران الحرب التي يشعلها أبناؤه فتقضي على الأخضر واليابس وتوقف التنمية وتشرد الأهل والأحبة في معسكرات اللاجئين والنازحين وطالب المتحاربين أن يضعوا السلاح جانباً حتى ترحل هموم الغلابة والتعابة وتحفظ دماء أبناء الوطن ويرتاح (بال الأم والأب والإخوان والأخوات ويتفرغوا للعباد والصلاح عندما أنشد يقول :ـ
أرضاً سلاح
ترحل هموم
تنصان دموم
والبال يرتاح


أرضاً سلاح

وينفتح باب الصلاح
ينفرج هم القلوب
تتندى بالأمل المباح
أرضاً سلاح

يطلع فجر صبح الغلابة
تتمارى أزمان الصحابة
وتلوح بيارق طال طلابه
أرضاً سلاح


أيدك معاي
قرب تعال بي جنبي جاي
أمسك معاي نبني المهدم
ونزيل ربوب هما مردم


بس لي متين
نحن ننتظر الصباح
يات يوم نقوم فجر الصباح
نسمع منادي القوم يقول.
أرضاً سلاح
أرضاً سلاح
وأخيراً إذا صدقت النوايا ووفقت المعارضة في مبادرتها فإن أحلام محجوب وحميد حتماً ستتحقق، فكلاهما نبذ الحرب وغنى للسلام وفضح تجار الحروب الذين يسعون في الأرض فساداً ونبهوا إلى أن وراء الحرب تجار لا يريدون لنيرانها أن تنطفيء حتى لا يتعطلون عن العمل، واستغربوا أن يرتزق بعض بني البشر من دماء وأشلاء بني جلدته وخراب ودمار أوطانهم فشبَّه حميد أدعياء الحرب بالحرب تماماً، وقال: إن أولياء السلم لا خوف عليهم لا حزن، وإذا مروا بهم قالوا سلاماً وإذا غموا بهم قالوا وطن، ومضى يطرح التساؤلات عن لمصلحة من هذه الحروب؟. ويقول: هذه الحرب لمن؟. ثم يردف: هذه الحرب وثن، ويذهب حميد إلى أكثر من ذلك ويتوعد تجار الحرب الذين رمز إليهم بأعداء العصافير بالموت حينما ختم قصيدته بقوله .. عاشت الأرض لنا لافتة ولأعداء العصافير كفن، ثم أن المتمعن لهذه القصيدة يجد أن حميد يطرح من خلالها مشروعاً متكاملاً يقرب فيه وجهات النظر ويضع أمامهم الوطن المسخن بجراحاته ثم ينبههم إلى من هم أعداء الوطن الحقيقيون .. إنها دعوة للسلام الاجتماعي الذي دفعت له الحكومة مليارات الجنيهات لقيام مؤتمرات الصلح القبلي والسلام الاجتماعي عبر السلطة الإقليمية التي عقدت أكثر من خمسة مؤتمرات تدعو للسلام الاجتماعي في العام الماضي .. بيد أن حميد سخَّر قلمه فقط وطوَّع حروفه ثم وضع نقاط الحل على حروف الخلاف عندما قال:
لا نغنِّيكَ
ولكنّا نناضلْ
هذه الأوتارُ أعصابُ شهيدٍ
كلَّفته الأرضُ أن يرحلَ
فأستأذنَ راحلْ
كشعاع، بسلامٍ، هرّب الدفءَ 
إلى الآتينَ من شُمِ المراحلْ
هذه الأنغامُ أهداها لنا 
بعد أن نازل بالمنشور أعوادَ المقاصلْ
لا نمنِّيكَ بباطلْ 
كان ياما كان في مرِّ الزمان 
كان سلطانٌ وشرطيٌ وكاهن ومغنٍ
هبّت الثورةُ والسلطانُ فرَّ
رجع الكاهنُ للمعبدِ يبكي
عمل الشرطيُ 
فلاحاً 
وكرَّ يطلق الماءَ 
على صدرِ الجداول
يضرب الأرضَ على صوت الكمان
وهو يكتظُّ يهتزُّ ويلتذُ معَ خبطِ المعاول
… … …
كلّنا للأرضِ والأرضُ لنا 
ولنا متسع حتى السماء
فإلام، 
ولِم يغمر الأوطان طوفان الدماء ؟
يا أخا الأرض 
لِمَنْ هذه الحربُ؟
ومَنْ ذا الذي يشقى 
ومَنْ يعشق الأوطانَ أطلال دمارٍ ودمن ؟.
…
إنه البومُ 
الذي يعجبه ليل الخراب
إنه الشؤم 
الذي ينجبه ويلُ الحراب
هل أتى اليوم الذي تعقبه خيلُ الصحاب
فيحطُّ الغيمُ 
في جوف أراضينا ويرتاح التراب
هل أتى حينٌ من الحلم 
على الإنسانِ 
يحيا مطمئناً للزمنْ
تضع الحربُ به أوزارها 
كرنفال السلْمِ يجتاح مدى العالم 
إبداعاً وقمحاً
والعصافيرُ السلامية 
تبني دارَها حباً وصدحاً
يا ورودَ الدرب يا أحجارَها ليلاً وصبحاً
يا خطى العمّال يا أيّارَها خبّاً وكدحاً
لاتِّحاد الساعدِ الكوني مرحى
لا خضرارات الفننْ
لانغراز الأصبع الثوري 
في عين الدمار
وارتفاع العلبة “البنبانَ” كوباً من لبنْ
…
لتجار الحربِ 
تبّاً .. 
للخوازيق
وتباً للبوار
للسرابيات في تيه الفِتن
للذي يُبحر غرباً عن أماني الشعب
تبّاً للدوار
للخطابياتِ من دون فِطن
لانطلاق الريح في غير لقاحْ
دون خيرٍ وصلاحْ
للتي تمطرُ موتاً وجراح
والتي تمرح من دون رسَنْ
في مراعي الشيبِ في حقلِ الشباب
للذي يملأ كفيه بتبرٍ وترابْ
يكشح التبرَ على حظوته
والترابيات في عين الوطن 
…
أدعياءُ الحرب كالحرب تماماً
أولياءُ السلم لا خوفٌ 
عليهم لا حزَنْ 
وإذا مرّوا بهم 
قالوا سلاما
وإذا غُمَّ بهم 
نادوا وطنْ
…
هذه الحربُ وثنْ 
وأنا أؤمن 
بالحرب التي بين أحشائي 
وتجويع الفجارْ .. 
الطواغيت ..
إذن
فلتكن يا عام 
عام الانصهار
بالذي أدعوه قلبي
بالحبيبةِ، بالقريبةِ للوطن
ولتكن يا شعب ضد الانكسار
وليكن ما قد دفعنا من دماء لانبلاج الفجرِ 
مََهراً أو ثمن
…
نحن أقسمنا 
على صدر عموم الشهداء الفقراء
أن نسوِّيه 
بروحٍ وبدنْ
ونقوِّيه 
على سوق النهار
”ونضوِّيه” 
وطنْ
فلتكن يا عام 
عام الانتصار للجماهير 
على بؤس الزمن
قد كفاها ما دحاها من محار 
من عذابٍ ومحنْ
فلتكن يا بحر 
بحراً ، للبحارْ 
التي تنضحُ سلماً دون مَن
…
…
عاشت الأرض لنا لافتةً 
ولأعداءِ العصافير 
كَفَنْ !!

صحيفة التيار.