سلطان الأباريق
يحكى أن رجلاً كانت وظيفته ومسؤوليته هي الإشراف على الأباريق لحمام عمومي،
والتأكد من أنها مليئة بالماء بحيث يأتي الشخص ويأخذ أحد الأباريق ويقضي حاجته، ثم يرجع الإبريق إلى صاحبنا، الذي يقوم بإعادة ملئها للشخص التالي وهكذا.
في إحدى المرات جاء شخص وكان مستعجلا فخطف أحد هذه الأباريق بصورة سريعة وانطلق نحو دورة المياه، فصرخ به مسؤول الأباريق بقوة وأمره بالعودة إليه فرجع الرجل على مضض، فأمره مسؤول الأباريق بأن يترك الإبريق الذي في يده ويأخذ آخر بجانبه، فأخذه الشخص ثم مضى لقضاء حاجته، وحين عاد لكي يسلم الإبريق سأل مسؤول الأباريق: لماذا أمرتني بالعودة وأخذ إبريق آخر مع أنه لا فرق بين الأباريق؟!
فقال مسؤول الأباريق بتعجب: إذن ما عملي هنا؟!!!
إن مسؤول الأباريق هذا يريد أن يشعر بأهميته وبأنه يستطيع أن يتحكم وأن يأمر وأن ينهى، مع أن طبيعة عمله لا تستلزم كل هذا ولا تحتاج إلى التعقيد، ولكنه يريد أن يصبح سلطان الأباريق!
إن سلطان الأباريق موجود بيننا وتجده أحياناً في المؤسسات أو في الجامعات أو المدارس أو في المطارات، بل لعلك تجده في كل مكان تحتك فيه مع الناس!
ألم يحدث معك، وأنت تقوم بإنهاء معاملة تخصك، أن تتعطل معاملتك لا لسبب إلا لأنك واجهت سلطان الأباريق الذي يقول لك: اترك معاملتك عندي وتعال بعد ساعتين!!
ثم يضعها على الرف وأنت تنظر، مع أنها لا تحتاج إلا لمراجعة سريعة منه ثم يحيلك إلى الشخص الآخر، ولكن كيف يشعر بأهميته إلا إذا تكدست عنده المعاملات وتجمع حوله المراجعون؟!!! إنه سلطان الأباريق يبعث من جديد!
إنها عقدة الشعور بالأهمية ومركب النقص الذي نريد أن نكمله بادعاء القوة والجبروت والتحكم بخلق الله! إن ثقافة سلطان الأباريق هذه تنسحب أيضا على المديرين والوكلاء والمشرفين والقياديين والمسؤولين و… و……
تجدها في مبادئهم حيث إنهم يؤمنون بالتجهم والشدة وتعقيد الأمور ومركزيتها، لكي يوهموك بأنهم مهمون، وما علموا أن أهميتهم تنبع من كراسيهم أكثر من ذواتهم!!
ولقد جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد: (اللهم من رفق بأمتي فارفق به ومن شق على أمتي فشق عليه)، ولكنك تستغرب من ميل الناس إلى الشدة وإلى التضييق على عباد الله في كل صغيرة وكبيرة،
ولا نفكر بالرفق أو اللين أو خفض الجناح، بل نعتبرها من شيم الضعفاء!
إنها دعوة لتبسيط الأمور لا تعقيدها ولتسهيل الإجراءات لا تشديدها وللرفق بالناس لا أن نشق عليهم.. وكم نحن بحاجة للتخلص من عقلية سلطان الأباريق، وتذكروا لفظ الحديث أو كما جاء: (يحشر قوم من أمتى على منابر من نور، يمرون على الصراط كالبرق، لا هم بالأنبياء ولا بالصديقين ولا بالشهداء، إنهم قوم تقضى على أيديهم حوائج الناس)
هذا الموضوع أعجبنى.. فآثرت أن أنقله مصحوبا بالسلام والتحية لكل من بيده معاملات الناس.. وبيده شؤونهم.. ولتعرفوا أن هناك ربّا فوقكم ومطلعا على ما تفعلون.. وأنك كما تدين اليوم ستدان يوما.. وأن السلطة والمناصب والكراسى والألقاب والأموال لن تتبعنا حتى قبورنا.. وإن لم نفقدها بالموت فسنفقدها بالعجز أو الإقالة أو المعاش.. فعش بشوشا ودودا وعامل الناس بالخلق الحسن.. وأيقظ ضميرك قبل أن تغمض عيناك غمضتهما الأخيرة!
تلويح:
ترى كم سلطان أباريق بداخلنا ونحن لا نعلم؟! نقوم يومياً بدوره وعمله ونحن لا ندري؟!!.. كم سلطان أباريق يتسبب لنا فى حصد الموبقات؟!