حاتم السر …. هل يعود من لندن وزيراً؟
عقب انتخابات 2010 أصدر القيادي البارز بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية حاتم السر علي سكينجو، سِفره الماتع الذي لخص فيه تجربة خوضه الانتخابات وعنونه بـ(حاتم السر رئيساً مع وقف التنفيذ)..!! فالرجل الذي أدلى بتصريحات نارية بعد أن أسدلت المفوضية القومية الستار على المعركة الانتخابية المرشح بها وطعن في نزاهة الانتخابات ثم غادر غاضباً إلى عاصمة الضباب بعيد مغادرة زعيم الحزب محمد عثمان الميرغني بنفس الطريقة التي غادر بها حاتم، بيد أن حاتم ظل ومن على البعد يطعن ويشكك في صدقية العملية الانتخابية ووثق لذلك عندما اعتبر نفسه الرئيس الشرعي المنتخب للبلاد بمعايير حزبه وليس بمعايير المفوضية، فحاتم بتلك المواصفات ظل في موقفه معارضاً مصادماً لنظام الإنقاذ ومعارضاً مسالماً للتحولات الكبيرة التي ساقت حزبه إلى الارتماء في أحضان حكومة القاعدة العريضة ومشاركة المؤتمر الوطني، ولازال حاتم يمارس تلك المعارضة الضمنية للقرارات الأخيرة التي شارك بموجبه الحزب في الانتخابات، رغم تصريحاته في وسائل الإعلام بأنه ليس بينه وبين الحسن الميرغني أي خلاف، لكن بعده عن دوائر الحزب أغرى كثيراً من المراقبين بأن يكذبوا رواية حاتم ويعدونه من المعارضين لقرارات الحسن ولكن بطريقته الخاصة.
كثيرون يجدون العذر لحاتم ـ الذي لزم الصمت في وقت جهرت فيه قيادات في وجه الحسن الميرغني ـ وظل كثيرون يبررون لكسوت حاتم ويعتبرونه نوعاً من الأدب الصوفي الذي يتسم به سكينجو ـ من باب من قال لشيخه لِمَا، فقد كفر ـ أن صحت هذه المقولة الشائعة، بيد أن آخرون أظهروا عدم رضائهم من مواقف حاتم الأخيرة فأصبح سكيجنو مادة دسمة لكثير من الأشقاء المرتادون لمواقع التواصل الاجتماعي وخدمة المراسلة الفورية (واتساب)، لكن حاتم ظل صامتاً يتحمل أذى ذوي القربى ويتمسك بصوفيته وأدبه أمام تصرفات شيخه ويوم أن جهر بذلك في برنامج فوق العادة لم يسيء لأحد، بل دافع عن موقفه الذي بناه على أساس أنه صوفي وحوار في المقام الأول وفي عنقه بيعة لشيخه فنطق بعبارته التي فجعت كثيرين كانوا يتوقعون أن حاتم سيدخل مرحلة المواجهة مع نجل الميرغني، لكنه قال للحسن: (سر ونحن من خلفك ). ما يعني أن الرجل صمت دهراً ونطق بما لا تشتهي أمنيات المناهضين لخطوات الميرغني الابن وكانوا يثقون في أن حاتم سيشدد من أزرهم، لكن علاقة الدم والقرابة التي تربط بين حاتم والبيت الميرغني ـ حسبما كشف عنها في ذات البرنامج ـ كانت أقوى في تأثيرها على مواقف مرشح الرئاسة السابق .
سكينجو الذي يعشق رياضة الجري يبدو أنه فضَّل أن يمشي الهوينى في عالم السياسة ويزن خطواته بميزان الذهب فقرر أخيراً أن ينحاز لشيخه في مواجهة الرافضة من أشقائه، فقرر الرجل على الأقل في فترة تصعيد المواجهة عقب قرار المجزرة الشهيرة الذي قضى بفصل قيادات تأريخية وشبابية بارزة في الحزب أن يحفظ ما بين فكيه ما أثار حفيظة المفصولين الذين كانوا يأملون أن ينطق حاتم بكلمة (لا ) في وجه نجل شيخه، لكن بعضاً من خلفاء الطريقة قالوا: حاشا أن يفعل الرجل بمثل ما يهوى خصوم الحسن، فليس من أخلاقه وعلى مدى تأريخه الطويل أن يتصدى لقرارات زعيم حزبه أو أحد أبنائه، ففضل حاتم الصمت ومع ذلك أراد أن يحتفظ بشعرة معاوية بينه وبين الخصوم من جهة وبين الحسن من جهة أخرى، بيد أن النفي المغلظ الذي قال فيه بعدم وجود أي خلاف بينه وبين نجل الميرغني قطع هذه الشعرة، واعتبر المناوئيين للحسن أن نفي حاتم إثبات لرضائه عن القرارات الصادرة في حق القيادات المفصولة .
وما زاد من شكوك الروافض مغادرة حاتم الأخيرة للبلاد بصحبة عبدالمجيد عبد الرحيم الرمز الختمي المعروف إلى مدينة لندن للقاء زعيم الحزب، ورشح في الأنباء أن المغادرة تمت بناءً على رغبة الميرغني في اللقاء بالرجلين ولمهمة عاجلة، فيما رجحت مصادر أن تكون المغادرة لأغراض حزبية تتعلق بمشاركة الحزب في الحكومة المقبلة، وتوقعت ذات المصادر أن الميرغني سيقرر مشاركة حاتم بمنصب رفيع في ذات الحكومة، فهل سيعود حاتم وزيراً من لندن، سؤال يرى كثير من المراقبين أنه صعب الإجابة عليه في ظل مواقف حاتم الأخيرة التي يكتنفها الغموض، بينما يرى آخرون من داخل حزبه أن الرجل أصبح قريب جداً من الوزارة، وظهر ذلك من خلال تصريحاته الأخيرة التي تحمل رسائل مبطنة لنجل الميرغني والمناوئيين له على حد سواء، فيما يستبعد آخرون هذه الفرضية باعتبار أن حاتم رفض قبل ذلك مثل هذه العروض خلال مشاركة الحزب في حكومة القاعدة العريضة، وغادر البلاد ليرفع عنه حرج المواجهة مع زعيم الحزب، بيد أن الأمر الآن أختلف، فالحزب بعد تعرض قياداته لمجزرة جماعية أصبح يعاني من أزمة قيادات حقيقية، لاسيما وأن مصادر من داخل أبو جلابية كشفت لـ(التيار) بأن الحسن يعاني من أزمة كوادر، فمعظم من حوله من الضعف بمكان وغير مؤهلين لتولي مناصب دستورية رفيعة، ما يعني أن مشاركة حاتم باتت أقرب إلى الواقع إذا ما فُرضت عليه فرضاً من الزعيم الأكبر.
التيار