جعفر عباس

الزوجة ليست سيارة !


لست بحمد الله كثير الشكوى، بل لا أستشير أحداً من خارج العائلة في أمر عائلي «خصوصي»، ولا أميل إلى وعظ ونصح من لا يطلب مني ذلك، ما لم يكن -مثلا- متعلقا بصغير يرتكب خطأ، ولا أحب ما يسميه أهل السودان «الشمارات»، والشمار هو البهار المعروف بالـ«كمُّون»، والمقصود بالكلمة «أخبار الناس وسيرتهم وما فعلوا وسووا»، ومع هذا فإن هناك من يتطوع بين الحين والآخر لإسداء نصح لي لم أطلبه.
ومن المشاكل التي تشغل بالي الحالة الصحية لزوجتي، فبسبب انضغاط عصب في منطقتي العنق والظهر فإنها تعاني آلاماً متواصلة تمنعها في أحيان كثيرة من تصريف شؤون البيت (ومن ثم فأنا والعيال نتعرض لأوامرها التي لا تنتهي، لأنها تحب النظام والترتيب في حين أنني وعيالي لا نبالي بالفوضى، بل ونستمتع بها أحياناً)، ومعاناة زوجتي تلك ليست سراً، بل إن كل أقاربنا وأصدقاءنا يعلمون بها، وهي على كل حال ليست طريحة الفراش ولا عاجزة عن الحركة، وكل ما هناك هو أن المجهود الجسماني يسبب لها آلاماً مبرحة، فنحرص من ثم على تجنيبها المهام الصعبة، ولكن رأسها ناشف، وتصر على القيام بأمور ترهقها وخاصة فيما يتعلق بالأطعمة التي تعرف أن أفراد عائلتها يحبونها.
وقبل أيام سألني صديق عن أخبار المدام وصحتها، فقلت له الحمد لله حالتها مستقرة طالما أنها مرتاحة جسدياً. وبدأ صاحبنا يقول كلاما طيباً عن أهمية دور الزوجة والأم في رعاية شؤون الزوج والعيال والبيت، وقال إن كل من يعرف زوجتي يمدحها لكونها سيدة طيبة وخلوقة و«خدومة» وتعرف الواجب. لحد هنا كويسين! ولكنه تحدث عن ضرورة قيامي بمبادرة لتخفيف العبء عن زوجتي، فقلت له إنني لم ولن أقصر في هذا الأمر بدليل أنني سافرت معها إلى عدة بلدان طلبا لمخرج غير جراحي، حتى قررت هي التصالح مع حالتها واستئناف حياتها العادية قدر المستطاع بالاستعانة بمسكنات الألم المتاحة عند الضرورة، ويبدو أن صاحبي أحس بأنني غبي فدخل في «الموضوع» وقال إنه يرى أن من حقي أن أتزوج بأخرى ترعى شؤوني وشؤون عيالي! قلت له بالحرف الواحد: هل تعتقد أنني كنت جاهلا بحقوقي وفي انتظار شخص عبقري مثلك لينبهني إليها؟ وهل شكوت لك أو لغيرك من خلل في شؤوني؟
ولأن الشخص الحشري بارد بطبعه فقد رد علي بقوله: الإنسان ومهما بلغت درجة وعيه قد لا يصل إلى حلٍ لمشكلاته بينما الحلول متاحة! دعوني مما قاله ودعوني أحدثكم عن عيب كبير في شخصيتي: بصفة عامة أنا ميال للمرح والفرح ولكنني سريع الاشتعال عند التعرض لاستفزاز «شديد»، وهناك أناس لا أطيقهم، أولهم المتغطرس، ثم الغبي الذي يتذاكى، ثم الجلف قليل الذوق ثم فيفي عبده، ثم وزير الدفاع الأمريكي دونالد رمسفلد، والكوسة وفاروق الفيشاوي!
نظرت إلى صاحبي ذاك لنحو عشر ثوان مستعيذا من الشيطان لأن أول ما خطر ببالي عندما اقترح علي الزواج بأخرى هو أن أصفعه! قلت له: أتزوج على زوجتي لأنها تعاني آلاما تمنعها أحياناً من تصريف شؤون البيت؟ هب أنها كانت أو صارت معاقة -لا قدر الله- هل تعتقد أنني سأخفف وقع آلامها ومعاناتها بالزواج بثانية؟ ثم إنه طالما أن الزواج بأخرى يتعلق بمساعدة زوجتي على إدارة الشؤون المنزلية، هل تقترح علي الزواج بـ«الخدامة»؟ أم أن لديك قريبة بائرة وصلاحيتها منتهية وتريد أن تشبكها في رقبتي! حاول الرجل أن يؤكد لي أن قلبه عليّ وأنه اقترح موضوع الزواج «لمصلحتي»، فسألته: ومن أعطاك حق رعاية مصالحي؟ وهل تعتقد أنك أكثر مني رجاحة عقل حتى تعطي نفسك حق الوصاية علي؟ وقلت له فيما قلت: حتى لو سمعت بوفاة زوجتي إياك أن تقترح عليّ الزواج.
أدرك الرجل أن استمراره في مناقشة ذلك الموضوع سينتهي به في قسم العناية الفائقة في المستشفى، وبي إلى السجن، فاعتذر لي وخرج ولم يعد، بعد أن عرف أن زوجتي ليست هيونداي أو تويوتا أو بي إم دبليو أستبدلها أو «أركنها على جنب» إذا أصيبت بعطل.

jafabbas19@gmail.com


تعليق واحد