لبنى عثمان

بوح الغربة


لا تسألني يا زمني الجديد أين كنت.. كنت طفلة في البراءة والهوى.. أفرح عندما يأتي غيث الكتابة.. أتنفس مساءات الظلام.. تأسرني أغصان الكلمات وأوراق الحكاية.. في ضواحي الهدوء.. في مساحات الأمكنة وفضاءات البوح الثقيل.. أودع بعض الصبر في جيب الحكاية.. حكايتي أنا.. وما أنا سوى عصفورة حطت عللى نافذة الحكاية.. بكت فبكت معها الأشياء.. دخلت قلب الحكاية فوجدت في الدار ألف حكاية.. ترنو الجدران صامتة والصمت بات يمسح غبار الزمن عن قلب الحكايا. سقطت نجمة من عل.. مسحت الجرح عن وجعي في صمت. فأدركت أن أجمل ما في الحب أنه يسكن قلب الأسماء في صمت.. وبوح في ليل إسراء ليس مستحيلا.. وأدركت أن قمة الضياع أن اكون موجودة في عالم تسكنه أنت ولا يمكنني الضياع معك وقمة الضياع أن أغادر عتبات أيامك مودعة وفي عيني رغبة في البقاء.. ولكنني لا أستطيع أن أبقى وصافرة قطاري تنذر بالرحيل.. قمة الألم أن أكون أمامك وعيناي في عينيك ولا أستطيع أن أحرر الكلمة.. تلك التي تجول في داخلي منذ سنين.. وقمة الأنين أن أكون أنا وأنت ولكنني لا أستطيع أن أعبر عن مكنوناتك وأن تكون أنت أنا ولا يمكنك أن تحتوي مكنوناتي وهواجسي. قمة التشتت.. أن لا أعرف ما هو الضياع عندما تخاطب روحك روحي في عالم الانصهار الروحي.. أن أحبك وأحبك دون أن أعرف ما هو الحب إليك.. وأتساءل: كيف تعود الأمسيات في موسم اليباس.. أتشعل الأمنيات بعد عصور رقاد؟. افتح قلبك.. يا سنديانة الدار.. افتح يا شجيرة الحياة.. فقد جئتك من رحلة الألم من أرض الأنين.. افتح قبل أن تتوه في لساني الحروف ويضيع من قلمي المداد. لا تبعد ظلك عنا.. فالبعد هو الفعل الأول الذي لا أجيده إلا بغيابك.. فأنا منذ رحيلي أعاني البعد.. أتقلب فوق سطح غربتك عني.. غربتك التي صارت تنافس الشروق والغروب في كل أيامي.. كل يوم أشتاق إليك فيغرقني الحنين وتطفو آهات ويكون القلب قد انطعن بشهقات موجعة.. فتظل كذلك حتى يأتي المساء ويجهض النوم مصيرها.. وتصبح الأماكن بلا معنى.. والطرقات دونك تشتكي وقع قدميك.. والليالي تفتقد حس وجودك.. فأنا وحكايتي وكل الأشياء نشتاق إليك. * آخر البوح جئتك أنا وحكايتي نبحث عن وطن حقيقي.. وطن يتعرف إليّ بلا صور ولا أوراق شخصية.. جئتك طلبا للأمان.. جئتك لتمسح كل الأحزان من قاع نفسي.. وأدركت أنني لا أستطيع التحليق بعيدا لأنني اكتشفت أن أجنحتي ذراعاك.. وأنني بلا ذراعيك مهيأة لترنح وسقوط لا أقوى عليهما..