تحقيقات وتقارير

رسالة إلى سعادة رئيس الجمهورية : هل لنا أن نتفاءل مرة أخرى؟

سعادة الرئيس : سبق وأن خططت لك هذه الرسالة في يوليو 2010م وتم نشرها أنذاك على صفحات جريدة الحقيقة. ولا أدري إن كانت قد نالت حظها من اطلاعك عليها أم لا. إن أذن الراعي قلما تتهيأ للسان الرعية .. ولكن للمصلحة العامة وحيث أنني لا أملك منبراً اخاطبك من خلاله غير الصحف التي أتمنى ألا يطالها سيف المصادرة والتعطيل من حين لأخرفي المرحلة القادمة أتشرف بإرسالها لكم مرة أخرى مع بعض التعديلات . فمن أعطاه الله أذن راع فليحسن ما يقوله له ، و أن يدعو الله له فإن بدعائه له يصلح الله به خلقاً كثيرا.. وفي نفس الوقت أكرر وأعيد تساؤلي ( هل لنا أن نتفاءل مرة أخرى؟؟؟)

سعادة الرئيس
والسودان يتأهب هذه الأيام لاستقبال مرحلة جديدة من تاريخه الحديث بعد أداؤكم القسم رئيساً للجمهورية مرة أخرى بعد نيلكم ثقة الشعب السوداني بنسبة تفوق 94% نستطيع أن نتلمس شعوراً عاماً من قبل الشعب والحكومة نحو بناء وإصلاح الوطن دون هدمه الحفاظ على سلامته ووحدته واستقراره بعد انفصال جنوبه، عن طريق الإضافة والتجديد والتعديل والتطوير لما هو قائم ، والذي يمكن ان يتم دون إراقة نقطة دم واحدة ودون حاجة إلي موارد مالية ضخمة. إلا أننا نشعر في نفس الوقت بأنه ينقصنا شئ ما ، وأنه آن الأوان لكي نعرف جميعنا هذا الشيء ونعالج النقص الذي نشكو منه ، وقد نختلف في التشخيص والتوصيف أوالتحديد وقد نتفق جزئيا أو كلياً .

سعادة الرئيس
يأتي أداؤكم القسم رئيساً للجمهورية هذه المرة، وقد أصبحت الحرية والمشاركة الشعبية والحوار بين الرأي والرأي الآخرأوسع بكثير من أي وقت مضي ودعوتكم إلى حوار وطني شامل يقود إلى سلام وتنمية ، مما يؤهل طبيعة الحكم في هذه الفترة للقيام بعملية بناء الوطن وفقاً للتفكير العلمي الموضوعي السليم وللمشاركة الشعبية وديمقراطية القرار، الأمر الذي جعل الشارع السياسي يحمل في طياته العديد من المبادرات والشعارات لمزيد من الحوار والمصالحة والوفاق والتعددية مع كل ألوان الطيف السياسي ، وكذا الوصول إلي مشروع قومي يهدف إلي البحث عن صيغة جديدة لحكم السودان من خلال دستور دائم يرتضيه الجميع. إلا إننا في الواقع لا نحتاج إلي مشروع قومي لحكم السودان وشعارات براقة لجذب الأنظار، وإثارة الاهتمام لتلتف حوله كل العزائم والإرادات، إنما نحتاج فقط إلي جوعام ومناخ شامل تندرج فيه وتتشابك خلاله كل أحوالنا السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والأخلاقية بل وفي المقدمة أحوالنا الدينية .

سعادة الرئيس
أن تهيئة الجو بما يتناسب مع الظروف الراهنة الجديدة ، يعني في المقام الأول أن أمامنا بالفعل فرصة لبناء السودان والحفاظ عليه متوحداً ومتماسكاً ، وإذا استطعنا اغتنامها وحسن استغلالها ، كنا جديرين بان ننشئ وطناً قوياً ومجتمعاً جديداً متماسكاً ومتوحداً وقادراً على المضي في ثبات واطمئنان خلال العقود القادمة من الزمان لنا وللأجيال التي من بعدنا. وفي وقت تغيرت فيه ظروف العالم من الحرب الباردة إلي النظام العالمي الجديد والي عولمة الاقتصاد والمعايير المزدوجة ومع تغير ظروفنا نحن كذلك، أصبحنا نشعر بانطلاق ارادتنا وحريتنا في اتخاذ القرار أكثر من أي وقت مضي ، وأصبح السودان رقماً عالمياً له حضوره في كل المحافل الدولية، بل أصبح يأخذ اهتمام ووقت مجلس الشيوخ والكونجرس والحكومة الأمريكية وكذا أروقة الأمم المتحدة، سواء كان للاشادة بانجازاته أو تبخيسها والتقليل من شأنها ، أومن أجل احاكة الدسائس والمؤامرات عليه.

سعادة الرئيس
يأتي أداؤكم القسم رئيساً للجمهورية هذه المرة و الكل ينتظر إن نهيئ الظروف لمهمة كبري وهامة وهي بناء البنية الأساسية لمزيد من الديمقراطية وتهيئة الجو العام للعمل الدؤوب في سبيل زيادة الإنتاج ورفع مستوي حياة المواطنين وتحويل السودان إلي دولة متحضرة متقدمة قائمة على العلم والتكنولوجيا والحرية والديمقراطية والسلام والتنمية، وإن تنفيذ هذه المهمة يحتاج إلي الإرادة الصلبة والفكر السديد والموارد البشرية والمادية القادرة علي الانجاز وأن نتعامل مع معاناتنا على إنها أزمة شاملة لكل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية دون التركيز على جانب دون الآخر .

سعادة الرئيس
يأتي أداؤكم القسم رئيساً للجمهورية هذه المرة وقد أصبحنا لا نعيش في عصر البطولات الفردية وما تستلزمه من الصدمات الكهربائية والقرارات الصارخة التي تؤلف حولها الأناشيد والأغاني الحماسية ، بل كل ما نحتاجه في هذه المرحلة هو شعلة تضئ أو قدوة تنير لنا الطريق لتهيئة جو عام يشعر فيه الجميع بأنهم فعلاً مواطنون أحرار لا مهددون بالاعتقال أوكتم الأنفاس أو مصادرة الأموال أوتأميمها وغير ذلك من الإجراءات التعسفية التي لا تزال ذكرياتها ماثلة في نفوس الكثيرين من الناس على مرّ الأنظمة الحاكمة المتعاقبة .

سعادة الرئيس
يأتي أداؤكم القسم رئيساً للجمهورية هذه المرة ونحن في أشد الحاجة إلي مجتمع نظيف ومخلص ومؤمن بأنه قادرعلى تحقيق المعجزات والانتصارات على النفس وتطهيرها من السلبية والإتكالية والتشاؤم والسأم والملل والاستهانة وكذا لتطهير أنفسنا مما علق فيها من صدأ وتحجر وما ترسب فيها خلال الأجيال المختلفة التي غرس فيها الاستعمار كثيرا من المساوئ وغرست الأنظمة الوطنية في ظل الديمقراطية أوالعسكرية مزيدا مضافا إليها .

سعادة الرئيس
نحن في حاجة ماسة الي تطهير الأخلاق من النفاق والكذب والانتهازية والتملق واستغلال النفوذ والفساد الذي استشرىّ في جسد الأمة كالسرطان حتى ننشئ مجتمعا بريئا ونزيهاً من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، نحن في أمس الحاجة إلى مسئولين وعلى كافة المستويات يعلمون ويتذكرون ولا يتناسون أن مقعد السلطان لا يدوم لأحد ، ولو كان دام للذين من قبلهم ما جاء إليهم، وهو لن يدوم لأحد بعدهم . فالأيام دول ، والكراسي تبقى ويتغير الجالسون عليها . وهي تعزلهم عن الناس فلا يرون حقيقتهم وتعمي أبصارهم فلا يفرقون بين البسمة واللعنة. وهي تفقدهم الرشد فيجنون. نحن في أمس الحاجة إلى مسئولين لصيقين بالشعب الذي أوصلهم لهذه المقاعد في كل الأزمنة والأمكنة، لا يتوارون عنه ولا يتخفون منه من خلال حُجب وسيارات مظللة.
نحن في حاجة ماسة إلى مجتمع يستطيع رد حقوق الضعفاء والمظلومين والمقهورين ويقوم على مبدأ المساواة بين المواطنين ويُبنيّ على مبدأ تكافوء الفرص في التعليم والصحة والخدمات المختلفة بلا تفرقة بين غني وفقير ولاتمييز بين الجميع للانتماءات السياسية والحزبية والقبيلية .

سعادة الرئيس
يأتي أداؤكم القسم رئيساً للجمهورية هذه المرة ونحن في أمس الحاجة ان نكون أكثر تأهيلاً لقيادة المرحلة القادمة بهدوء الأعصاب والتواضع والموضوعية وسعة الصدر والرغبة الصادقة في توسيع مساحة الديمقراطية أياً كانت لتستوعب كل الأماني والآمال المنشودة وتعميق جذورها في أرض السودان في اطار الأيمان بالوحدة الوطنية ووحدة تراب الوطن حتى نستطيع اغتنام هذه الفرصة جميعا ، رسميين وغير رسميين ، كباراً وصغاراً ، بل جميع الفئات وكل المهن والحرف ، بل وكل ألوان الطيف السياسي لكي نبني السودان المتحضر والمتحفز للصحوة والنهضة واحتلال الموقع المؤهل له تاريخياً وجغرافياً وبشريا وحضارياً بأيدينا وبارادتنا الذاتية غير المفروضة علينا من أي قوي خارجية .

سعادة الرئيس
في الختام أسمح لي أن أُضمن خطابي لك هذا بما ورد في حديث الشيخ الشعراوي للرئيس الأسبق حسني مبارك (( وإني يا سيادة الرئيس أقف على عتبة دنيانا لأستقبل أجل الله فلن أختم حياتي بنفاق ولن أبرز عنتريتي باجتراء ولكنني أقول كلمة موجزة للأمة كلها حكومة وحزبا ومعارضة و رجالاً وشعب اّسف أن يقول سلبي. أريد منهم أن يعلموا أن المُلك كله بيد الله يؤتيه من يشاء ، فلا تاّمر لأخذه و لا كيد للوصول إليه فإن الحق سبحانه و تعالى حينما حكى حوار ابراهيم للنمروذ. ماذا قال له؟؟ ( أو كالذي حاج ابراهيم ، في ربه ) و هو كافر قال (أن أتاه الله الملك)، فالملك حين يُنزله الله قال يؤتي المُلك من يشاء ، فلا تاّمر على الله لملك، ولا كيد على الله لحكم، لأنه لن يحكم أحد في ملك الله إلا بمراد الله . فإن كان عادلاً فقد نفع بعدله، و إن كان جائراً ظالماً بشّع الظلم و قبّحه في نفوس كل الناس فيكرهون كل ظالم و لو لم يكن حاكماً. ولذلك أقول للقوم جميعاً: إننا والحمد لله قد تأكد لنا صدق الله في كلامه بما جاء من الأحداث، فكيف كنا نفسر قول الله ( ويمكرون ويمكر الله ) وكيف كنا نفسر ( إنهم يكيدون كيدا ونكيد كيداً). الله يريد أن يُثبت قيّوميتّه على خلقه. فأنا أنصح كل من يجول برأسه أن يكون حاكماً أنصحه بأن لا تطلبه، بل يجب أن تُطلب له. فإن رسول الله قال : من طُلب إلى شيء أُعين عليه ومن طلب شئياً وُكل إليه.

يا سيادة الرئيس: أخر ما أحب أن أقوله لك و لعل هذا يكون أخر لقائي أنا بك ( إذا كنت قدرنا فليوفقك الله وإذا كنا قدرك فليُعنك الله على أن تتحمل))

سعادة الرئيس
في ختام خطابي أدعو الله أن يجعلك كبيراً تحتمل النقد، وألا يجعلك صغيراً تبطش بمن يخالفونك الرأي. وأن يجعلك تطرب لكلمة الحق ولو كانت ضدك، وتغضب لكلمة الباطل ولوكانت معك. أسأل الله أن يقرب المخلصين الذين يواجهونك بأخطائك ، ولا يجعلك تقرب المتزلقين والمنافقين الذين يباركون أخطائك، وأن يعطيك قلباً يحب، وألا يعطيك سوطاً يضرب. وأن يعطيك زهرة تقدمها لخصومك ولا خنجراً تغمده في ظهورهم .
أسأل الله أن يعطيك البصيره حتى لا ترى الناصح الأمين عدواً، وترى المسبح بحمدك حبيباً، أسأل الله أن يعطيك عقلاً يفرق بين الصدق والضلال، وبين الذين يهتفون لمقعدك والذين يهتفون لشخصك. وأن يهديك للحقيقة التي تُنسىّ دائماً عند الجلوس على مقعد السلطان .أسأل الله ألا يخفك من الشجعان الذين يواجهونك باّرائهم ،وأن يحميك من الجبناء الذين يخدعونك بملقهم و يغرقونك بمدحهم، ويضلوك بالمبالغة في الثناء عليك .
أسأل الله أن يجعلك تعرف إنك لست بإله، وانما بشرُ لك صفات البشر وقدراتهم، لا تستطيع أن تُحيِ ولا تُميتْ ، ولا تغُنيِ ولا تُفقرْ، ولاتُسعدْ ولا تُشقيِ ، أسأل الله ألا يجعلك تنسىّ أبداً أنك مخلوق، ليس بأطول الناس كلهم ، بل بوقوفك بحكمة وعدل فوق مقعدك هو الذي يطيل قامتك، وليس بأقوى من الناس جميعاً ، فإن سلطاتك المؤقتة هي التي تُوهمْ الناس بما ليس لك وماليس فيك. أسأل الله أن يجعلك تذكر دائماً أن الشعب باق و أنك أنت الذي تذهب، وأن الكلمة الأخيرة للشعب و ليس لك . أدعو لك الله أن يجعلك ترحم و لا يجعلك تبطش،وأن يجعلك تحب ولا تكره .أدعو لك الله أن يجعلك تسامح ولا تنتقم ، وأن تزيد من عدد الأحرار فى بلادنا حتى يزيد من قدرك ورفع شأنك . وأسأل الله أن يُمكنُكّ من نصرة كل مظلوم و أن تَرد لكل ذي حق حقه.وأن يُمكنك من أن تحذرعدوك مرة وصديقك ألف مرة ، فهو إذا انقلب عليك فهو أعلم بالمضرة . وأن يكفيك شماتة وشر ديناصورات الحكم،ديناصورات الأمس و اليوم.

بقلم : مبارك زروق خلف الله
صحيفة ألوان