في الطائرة !
على هذا العلوّ، في طائرةٍ تحمل اسمه، هو يملك قطعة من السماء. من حيث هو، تبدو له تلك الفتاة في الأسفل كالعصافير التي تقف مَثنى وثلاثَ على حبال الكهرباء. هي واحدة من الحشد الذي لا يُرى. لا جناحان لها لتطاله، فكيف لطائر نبيل يفرد جناحيه على القارّات، أن يعاشر عصفورة؟!
غير أن فكرة أسراب العصافير المتأهّبة للطيران، راحت تتداعى في خيالاته لتوقظ هواجسه. ذكّرته بمخاطر الحمام والعصافير على الملاحة الجويّة، وكلّ الجهود التي تقوم بها المطارات لإبعاد الطيور عن المدارج، لأنها تحبّ الاختباء في محرّكات الطائرات الجاثمة، فتتسبّب لاحقًا في سقوطها. يحدث أيضًا أن ترتطم بالزجاج الأمامي للطائرة، وتحجب الرؤية عن قائد الطائرة، فترغمه على العودة إلى مطار إقلاعه.
لفرط إلمامه بما قد تتسبّب به الطيور من كوارث، أصبح يعاني من رهاب ذلك العدوّ الصغير غير المرئيّ. ما من مرّة، لحظة تأهّب طائرته للإقلاع، إلّا خطرت بذهنه تلك الطيور، حتّى سكنه في لا وعيه الخوف من تلك الكائنات الصغيرة.
كيف أن طيورًا صادقها في الأرض، غدت عدوّته يوم بلغ السماء؟
أكلّما صعدنا ازددنا خوفًا؟ أم وجودنا في الأعالي يجعلنا نتوجّس الشّر حتّى من أصغر الكائنات؟ أم ترانا نكون الأكثر هشاشة، عند بلوغنا قوّتنا الأقصى، ما دام بإمكان طائر صغير أن يُسقط طائرًا تكنولوجيًا في ضخامة طائرة؟
أكان عليه إذًا أن يحذر تلك الفتاة التي كانت عصفورة تنقر الحَبّ في كفّه، وحين خرجت من حياته، اختبأت في «محرّك قلبه»، وتلافيف ذاكرته، وبإمكانها الآن وقد غدت خارج مجال رؤيته، أن تكيد له، وتقف في حفل عالمي لتغنّي، متحدّية سطوته، ومهدّدة صرح كرامته؟
من رواية “الأسود يليق بك”