جعفر عباس

الرياضة تبذير وهدر للصحة!!


صرت منزعجا لأن بعض أصدقائي من ذوي الوقار باتوا يركضون كل مساء على امتداد كورنيش مدينة الدوحة. ماذا دهاكم يا جماعة؟ لماذا ترهقون أجسادكم المتهالكة بالركض؟ أتحدى ان يثبت لي أحدكم انه شاهد طبيباً يركض. لا، فالاطباء أعقل من أن يفعلوا ذلك لأنهم يعرفون قيمة الراحة، فمنذ اختراع انظمة اللاسلكي الحديثة والاطباء في حالة «استدعاء On Call» على نحو مستمر، ولا وقت لهم للركض أو الهرولة، ومع ذلك فإن معظمهم في صحة جيدة، وليس مرد ذلك أنهم «يتوصون» بأنفسهم ويتناولون أفضل أنواع الدواء، بل لأنهم يعرفون ان العمر «مش بعزقة» وينامون بعد الغداء، وبعد العشاء، فتستريح أعضاؤهم وأعصابهم استعدادا للتعامل مع مرضى كثير منهم أجلاف.
والأطباء يعرفون ان كل إنسان له عدد معين من دقات القلب، وإذا انتهى ذلك العدد فالدوام لله، والجري وممارسة الرياضة يؤديان إلى زيادة ضربات القلب، يعني من يمارسون الرياضة، يستهلكون حصتهم من دقات القلب بوتيرة سريعة، ولا يعمرون كثيرا. أتحداكم ان تخبروني عن شخص مات لأنه لا يمارس الرياضة، بينما الصحف لا تخلو بين الحين والآخر من اسم شخص مات في حلبة الرياضة. يا جماعة، المسألة بالعقل والمنطق: إذا كانت صحتك جيدة فأنت لا تحتاج الى الرياضة، وإذا كانت متدهورة فعليك أن تتجنب الرياضة، هكذا في منتهى البساطة، وأنا أعلم تماما ان أولئك الذين يمارسون الركض في الأمسيات ينتمون إلى طائفة «الأفندية» أي الموظفين، أي الأجراء الذين لا يعرفون البحبحة سوى أيام معدودة، في مطلع كل شهر، وهم يركضون هرباً من مشاكلهم المالية.. يعني باختصار فالإنسان «الشبعان والدفيان» ليس في حاجة الى البهدلة وصب العرق.
وبما ان ممارسي الركض هم في الغالب من ذوي الدخل المهدود، فإنهم يرتكبون جريمة في حق انفسهم بالجري وحرق الدهون والسعرات الحرارية، والمنطقي أن يسعى الواحد منهم إلى تكوين سنام يخزن فيه الشحوم والدهون وما إلى ذلك من مواد سريعة الاحتراق، «لليوم الاسود» الذي قد يكون يوم «التفنيش» أي «إنهاء الخدمات» أو يوم المرض، أو يوم يقوم البنك أو الشركة بمصادرة السيارة بعد أن يعجز عن دفع أقساطها.. في مثل هذه الحالات فإن الشحم سيزول تدريجياً من دون ركض أو هرولة.. أما الموظف الذي يحرق الشحوم أولا بأول فإنه سينهار فوراً عندما تقع الواقعة ويفقد وظيفته أو سيارته أو اعصابه.
قراء هذه الزاوية في دولة قطر يعرفون أنني متعصب لشركة الاتصالات القطرية «أوريدو» – كيوتل على أيام عملي بها – فلها مكان خاص في قلبي، ومازلت إلى يومنا هذا رغم فراقي لها أتابع أخبارها بشغف وحماس، ولي فيها ذخيرة طيبة من الأصدقاء، الذين أحرص على متابعة أحوالهم، ولكنني أصبحت قلقا عليهم لأنني سمعت أن ممارسة الرياضة اتخذت شكلا وبائياً فيها، وفيما مضى كان الكيوتلاوي الوحيد الذي يمارس «بعض» الرياضة هو عمنا أحمد مفتاح الذي كان يسير «وليس يركض» على امتداد الكورنيش كل مساء ثم يجلس في مواجهة البحر لاستنشاق رحيق التبغ الفرجيني الفاخر قبل ان يعود إلى البيت، وسمعت أن الفيروس انتقل إلى شقيقه سلطان الذي لم يرض بأن يبدأ بداية متواضعة، بل قرر أن يبدأ بالتنس وكانت النتيجة أن أصيب بالتهاب المفاصل، ورغم ذلك فقد بلغني انه يسعى إلى استدراج أحد أبنائه لممارسة التنس.. وإلى ذلك الابن أقول: دعك من سوالف أبيك وعليك بالطعام الجيد والنوم بين كل وجبتين.. ولتكن رياضتك هي القراءة لأنك تستطيع ان تمارسها مع العافية والمرض وفي الشباب والكبر.. ولتكن مثل عمك كاتب هذه السطور الذي لم يمارس الرياضة طوال حياته. بل طلق علم «الحساب» بعد أن أصبح اسمه «رياضيات».. بذمتكم جميعاً: هل كان أي واحد منكم يحب حصة الحساب أو الرياضيات؟.. الإجابة نيابة عنكم جميعاً هي.. لا حاشا وكلا.. فليس من طبيعتنا ان نحب أي شيء يستوجب جهدا عضلياً أو ذهنياً.

jafabbas19@gmail.com


تعليق واحد