البشرية النائمة
كل البشر في حالة نوم، ليس بينهم الآن أي أفراد أيقاظ، بل على مدار التاريخ الإنساني لم يكن هناك سوى عدد قليل من الأفراد المستيقظين، الذين – لتميزهم الشخصي والعقلي والنفسي، تمكنوا من كسر جدران “زريبة الحيوان” البشرية الكبيرة والخروج على القطيع، وبالتالي النظر إلى الكون والتفكير في الإنسان بعقل متفتح وروح متسامحة ونفس متجاوزة.. هذا تقريبا ما يقوله الفيلسوف الهندي (المعلم أوشو) في واحد من مقاطع الفيديو المنتشرة التي تعرض تعاليمه, ويربط المعلم فكرة النوم البشري هذه بالقرابة أو الصلة ما بين الإنسان وبقية المخلوقات التي تحيا وتموت دون إدراك لكينونتها أو طبيعتها وبالتالي تمضي في الحياة من الميلاد إلى الموت وكأنها في حالة نوم مستمر، وهو ذات الشيء الذي يحدث للبشرية منذ فجر التاريخ وحتى الآن، بحسب (أوشو).
من الأمثلة الطريفة التي يدلل بها (المعلم أوشو) على فكرته، ويدعم بها رؤيته حول (النوم البشري)، ما يرويه عن قصة الشحاذ الذي يحلم بتحوله إلى إمبراطور وانتقاله بالسكن في أفخم القصور ليحيا حياة الملوك بكل ما فيها من عظمة وأبهة، هذا الرجل يحلم بلا شك، لكنك إذا حاولت إيقاظه من هذا الحلم اللذيذ سيغضب منك وربما يدخل معك في حالة من الشجار العنيف، لأنك ستعيده إلى واقعه القبيح. فالحياة داخل النوم – الحلم، هي البديل بالنسبة لهذه الحالة، وهي حالة تطابق بقدر كبير واقع البشرية منذ انتقالها من الحياة البدائية إلى حياة الإنسان المنظم (المجتمع، الأمة، الدولة..الخ)، عدا حالات قليلة تعد على أصابع اليد، يذكر منهم المعلم أوشو “سقراط، وبوذا وأفلاطون… الخ”.. ففكرة أوشو تتلخص في أن البشر بدلا من أن ينفتحوا على العقل – الحب، انغلقوا على (النوم) الذي يماثل هنا العمى العقلي الذي يترجم في أبسط صوره في الحروب والدمار المتصل الذي تمارسه البشرية منذ وجودها وإلى الآن.
إذن ما يفضله البشري بإطلاق هو أن يظل في حالة انفصال تام عن الحقيقة أي (النوم)، والتمسك بالأوهام (الأحلام): زرع فكرة العرق والتشبث بها كمعادل حقيقي للمعنى، ابتكار وهم الدولة بحدودها الجغرافية وميزاتها الاقتصادية والتاريخية والدفاع عنها حتى الموت، رفض الآخر المختلف ونبذه والعمل على اقتلاعه من الأرض ونسفه تماما، توسيع دائرة الأنانية بتثبيت وهم الملكية الفردية وخلق التمايز الاجتماعي والطبقي بين أفراد (الأمة الواحدة) المتوهمة أصلا.. الحياة هكذا – وفقا لأوشو – مجرد إغراق في النوم وبعد تام عن اليقظة التي تعني النقيض من كل هذا.
هل أنت نائم بالفعل، هل تحلم بما لا تملك وما لا يحق لك أن تملك بدلا من أن تفعل قدراتك وأنت يقظ أكثر؟