لمن فاتهم الاستماع
ربما عند ظهور هذا المقال تكون قد ظهرت رسميا كشوفات الحكومة المرتقبة، بحيث ينجح الحزب الحاكم في كل مرة أن ينسينا كل مصاعب حياتنا، غير مصاعب التشكيل الحكومي وهواجس الترقب والانتظار و…
لا زلت – والحال هذه – أدعو لقيام (معهد التخطيط الاستراتيجي لإعداد الولاة) .. وأقول الولاة وليس الوزراء.. لأن هنالك خارطة تضعها الحكومة الاتحادية للوزراء فضلا عن الخطط والبرامج التقليدية التي تحدد مهامهم.. غير أن الولاة يرسلون إلى الولايات بغير كتاب مرقوم وبرنامج مرسوم وخط محسوم.. أينما ذهب الولاة في ربوع هذا البلد الفسيح يجدون أمامهم ثلاثية (الماء والأرض والرجال).. مقومات الحياة والإنتاج.. ومن ثم تتفاوت مقدراتهم في تزاوج هذه المعطيات وتفاعلها لصالح التنمية والإنتاج وفتح مزيد من فرص العمل.. فعمليات الإنتاج الفعالة اقتصاديا هي التي تحرك باقي القطاعات من عمالة وترحيل وتسويق.. وإذا ما ارتفعت معدلات الدخل تتحرك الأسواق والأشواق والتطلعات.. وهذا في معظم الأحيان لا يحدث.. بل ولن يحدث في ظل (العقلية السياسية) التي تسيطر على مطابخ قرار الأحزاب التي لا تملك إلا أن ترسل والياً سياسياً مهمته المقدسة تتمحور حول (الحفاظ على أرصدة الحزب الجماهيرية) !! ثم بعد ذلك تأتي عمليات تنمية الموارد.. ويرفد زعمنا هذا أن هنالك أكثر من حالة سحب لوال تسبب في حالات استنزاف جماهيري، وإن كان صاحب مقدرات إنتاجية.. وأفضل نموذج لذلك هو والي الخرطوم السابق الدكتور عبدالحليم المتعافي الذي لم يكن له ذنب سوى أنه لم يشتغل سياسة بصورة مباشره.. كما لم يهتم بعمليات تقريش مشروعاته جماهيريا !!
هنالك ولاة – والحال هذه – قضوا سنواتهم الانتخابية الخمس ولم يتمكنوا من صناعة معادلة إنتاج بين ملاك الأرض والمستثمرين والحكومة.. الحالة التي ظلت تعرف بظاهرة (العكاكيز).. فلا أرضا قطعوا ولا ظهرا أبقوا.. كل همهم على مدى هذه السنوات يتمحور في توفير الفصل الأول وحشد الجماهير عند زيارة مسؤول رئاسي كبير !! هذا مبلغهم من الولاية والعلم وهم ماهرون في فعل ما يبيض وجوههم في المركز.. لهذا وذاك تصبح حاجتنا أكثر إلحاحا لنقل ملف تعيين الولاة من مطابخ الأحزاب إلى (معهد إعداد الولاة).. لا ضير أن ترشح الأحزاب كوادر بمسمياتها إلى هذا المعهد.. على أن تخضع هذه الكوادر إلى فترة تأهيلية معتبرة يستقدم لها مدربون عالميون.. على أن الشرط الأساسي الإجباري الذي لا تهاون فيه يتعلق بمهارة الخيال والمقدرة على إنتاج الحلول والإبداع وخلق الفرص و.. و..
هنالك شيء مهم بعد التخرج والإعداد يتعلق بالنظر إلى مقومات الولاية ومطلوباتها.. حتى لا نكرر أخطاء وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب.. وبعد ذلك نتنزل إلى معاهد المعتمدين والمحليات التي كانت خصما على التعليم.. لما خسرنا مرتين.. خسرنا التعليم ولم نكسب فعالية المحليات.. فلقد كان الحكم الاتحادي خصما على التعليم والزراعة.. لما أصبح المعلمون محافظين وأصبح المزارعون سياسيين في الاتحادات والمحليات والأحزاب.. كما أثبتت التجارب أن كل من لبس مركوبا وشالا وصعد منبرا سياسيا لن يعود إلى معاقرة الأرض ومعافرة الحواشات من جديد.. و.. و..
مخرج.. يا جماعة الخير نحتاج كأمة سودانية.. حكومة ومعارضة.. نخبا وشعبا.. مزاجا وسلوكا.. أن نتحول من منابر (طواحين الهواء) إلى حقول الإنتاج.. وهذا التحول يحتاج إلى منهج يبدأ من ناشئة الأساس إلى الجامعات التي هي الأخرى كادت تفسدها السياسة..