الختة
عادة نسائية أصيلة، نستعين بها على تصاريف شؤوننا الحياتية، ونلجأ لها في الملمات والأفراح لتحقيق الأمن الاقتصادي اللازم.
(الختة) أو (الصندوق) أو (الصرفة) أو أياً كان اسمها، فهي في الأساس محاولة للتوفير القسري من خلال الالتزام المسبق باستقطاع مبلغ شهري ثابت متفق عليه وإيداعه عند (الأمين/ة المالي)، الذي يقوم بأعباء جمعه من المجموعة المحددة في وقت زمني معين وتسليمه لمن وقعت عليه (القرعة) أو حان دوره الموضوع مسبقاً في (كشف) الصرفة !
ولا أعتقد أن في مجتمعنا السوداني من لا يعرف المعنى المراد من العنوان.. فكلنا تداولنا أدوارنا في قائمة الصناديق الأسرية أو صناديق الحي والمكتب.. وبعضنا يظل من رواد (الختة) القدماء، ويحرص على الدخول في منظومتها دورياً ويخصص إيرادها للمصروفات الدراسية أو لتجديد أثاث المنزل أو لجلب أحد الأجهزة الكهربائية الضرورية أو لدفع مقدم سيارة أو للسفر للاستشفاء أو السياحة أو التجارة.. وهذا كله يتوقف على حجم مبلغ (الصرفة) الذي يتدرج حتى أنه يبلغ حداً مهولاً لدى البرجوازيين الذين يظل بعضهم يحرص على تكوين مجموعة (ختة) من باب الحنين للماضي أو ربما لمجرد (البرمجة)!!
وتختلف أنواع الصناديق وتتعدد لاسيما في مجتمعنا النسائي – رغم دخول الرجال للمجال وبقوة – فقد أصبح هناك صندوق للعدة وآخر للملايات وثالث للمراتب و.. و.. الخ من الابتكارات الصندوقية التي لا تنتهي!
ويظل من أجمل الطقوس التي تمارس في مجتمعنا (صندوق الجبنة) أو(الجمعية)، وهو يتطلب ضرورة التزام عضوة الصندوق بالحضور للجلسة النسائية الحميمة التي تعقد كل مرة عند واحدة من العضوات بمصاحبة فناجين القهوة، وكل ما تستطيع إليه سبيلا من ضيافة بحسب إمكانياتها، بينما تتم مناقشة مواضيع نسائية مهمة وأحاديث لطيفة، وقد تتحول الجلسه أحياناً لسانحة للتسوق من (دلاليات) الحي اللائي يبيعن كل شيء مع تقديم التسهيلات كافة في الدفع.
المهم.. هذه العادة الطيبة والجميلة والمفيدة التي أعانتنا كثيراً في حياواتنا.. تحولت إلى نقمة للبعض منا.. ودونكم سجن النساء الذي يقشعر بدنك من هول ما تراه وتسمعه فيه من قصص وحكايات لبعض النساء اللائي قادتهن ظروفهن اللعينة إلى هناك.. ومنهن الكثير من المتعسرات اللائي لم يتمكن من سداد مبلغ (الختة) الشهري الراتب لاسيما بعد أن (صرفن) صرفتهن المستحقة!! نساء رقيقات الحال مودعات بالسجن مقابل مبالغ زهيدة لا يتجاوز بعضها حفنة من جنيهات شحيحة لا قيمة لها سوى أن حظهن العاثر لم يمكنهن من توفيرها في الوقت المناسب ولم يجدن من بقية الأطراف ما يلزم من تسامح وصبر وتقدير للظروف، فتحول الأمر لبلاغ وقضية وحكم محكمة، وجدن بموجبه أنفسهن في زنزانة ضيقة، عليهن البقاء فيها لحين السداد!!
ومع تأكيد تحفظاتي على عدم جدوى (يبقى لحين السداد) هذا كونه يحرم بعض المحكومين به من فرصة الاجتهاد لتوفير مبلغ المطالبة، فإنني ببركات الشهر الكريم أرجو جميع المقتدرين من المنداحين، أخذ هذا المقال بعين الاعتبار وتسجيل زيارة مقدرة لسجن النساء بأمدرمان وإجراء ما يلزم مع هؤلاء البسيطات المستضعفات ومعاونتهن على السداد فإني والله أخشى عليهن من البقاء مع الزمرة الغاشمة من معتادات الإجرام اللائي لا نتبرأ منهن كنساء، ولكننا نعترف بتشويههن لصورتنا الحانية المشرقة، وإن كنَّ يملكن المبررات الكافية ولكنهن يظلن يشكلن وصمة في جبيننا النسائي الكريم!!
تلويح:
احذرن مغبة (الختة) فقد تتحول إلى نقمة إذا كانت أكبر من طاقة التزامنا.