منصور الصويم

لقمان أحمد


عاد الإعلامي لقمان أحمد، في إجازته السنوية، إلى السودان، وهو يحمل مشاريع تنموية واعدة، بدأ في تنفيذها في قريته الوادعة في ربوع جنوب دارفور (الملم)، وفي عاصمة الولاية مدينة نيالا البحير. لم يحدث ضجة كبيرة وهو يؤسس لمبادراته ومشاريعه التنموية في هذا الجزء من الإقليم الجريح، بل شرع في هدوء في تنفيذها بعد تحديد العاجل والضروري منها في هذه المرحلة الأولى، وكان مستشفى نيالا التعليمي، ومدرسة الملم الابتدائية ضربة البداية لعمل طموح تعود منفعته النهائية للمواطن في شكل خدمات ميسرة وإنسانية وحضارية، تلك الأشياء التي يستحقها هذا المواطن الصابر.
أذكر في بداية التسعينيات، كنت أجلس أمام بيتنا في حي النسيم بنيالا، كان الوقت صباحا والشارع خاليا إلا من مارة قليلين. لمحت من على البعد شابا يتقدم نحوي، آتيا من اتجاه مدرسة نيالا الثانوية، حين اقترب أكثر خيل إليّ أنني أعرفه وإن استبعدت أن يكون هو. لكن حين سلم عليّ وسألني عن عاصم أخي – كان في المغرب – تأكدت من أنه هو، قال بتواضع دون أن يذكر اسمه: “أنا صديقه وزميله في الثانوي”، قلت أنا سريعا: “لقمان”. ضحك وأسعدني بمروره السريع ومحادثتي القصيرة معه. تلك كانت المرة الوحيدة التي أقابل فيها الإعلامي لقمان أحمد، خارج إطار شاشات التلفزيون التي اشتهر من خلالها كأميز المذيعين ومقدمي نشرات الأخبار بتلفزيون السودان، وأظنه في زيارته تلك كان يودع نيالا ودارفور في طريقه إلى أمريكا، ليكون بعد ذلك بسنوات أحد الوجوه الإعلامية التي نفاخر بها، وأبرز المهاجرين والمغتربين (الإيجابيين) الذين تحتاجهم هذه البلاد.
لقمان أحمد نموذج حقيقي للمغترب والمهاجر الإيجابي الذي يجب أن يحتذي بتجربته آلاف وربما ملايين المغتربين والمهاجرين السودانيين في بلاد العالم الواسعة، وأن يتم الاسترشاد بنموذجه – هناك آخرون بالطبع – في تكسير وتحطيم الصورة النمطية للمغترب – المهاجر، الذي يصبح كل همه حيازة الأراضي وبناء العمارات السوامق والانغلاق في حيز أسري (برجوازي) مترف. فسواء أخذت هذه التجربة على المستوى الفردي لمن تمكنهم ظروفهم (إمكانياتهم) الخاصة من الإسهام المباشر في تنمية مناطقهم ومساعدة مواطنيها بتوفير متطلبات “تعليم وصحة ومياه وعمل..الخ” أفضل، أو من خلال التجمعات والكيانات التي تأخذ عدة أشكال وتضم طيفا كبيرا من المغتربين والمهاجرين في بلاد الغربة، ويمكنها بالتالي إنفاذ أكبر قدر من مشاريع تنمية الإنسان في مناطقهم والمناطق المجاورة لهم وفي كل السودان. فالسخط والهروب ولعن الأنظمة و(الأنانية) لن تنتج سوى المزيد والمزيد من الخراب.
فلنكن أكثر إيجابية، وليكن “لقمان” أيقونة نهتدي بها في درب العطاء.