استعدادات «الإفلاس» الرمضانية
وحين يحدثك الناس هذه الأيام عن استعدادات رمضان تأكد تماما أن الأمر ليس له أي علاقة بالبعد الديني والروحي لهذا الشهر الفضيل، وإنما هي استعدادات تموينية ومطبخية بحتة، فالناس بدأت ومنذ فترة ليست بالقصيرة التهيؤ لهذه الحملة السنوية، منهم من دخل صناديق، وآخرون بدؤوا يقتطعون من رواتبهم احتياطا لليوم المطلبي المقبل، المتمثل في )حاجات رمضان(، التي تستعاد وتتكرر في كل عام دون أي نقصان إن لم يضف لها أشياء وأنواع جديدة ومتنوعة سواء أكانت أصناف مأكل ومشروبات، أو هي تعود إلى المطبخ ومملكته بشكل مباشر.. نعم يبدأ الاستعداد سودانيا بانتشار رائحة الآبري (الحلو مر) بعد تجمعات نسوية لتجهيزه بشكل جماعي – تعاوني، وغالبا في هذه التجمعات تتبادل النسوة المطلوبات الجديدة التي يمكن إضافتها للقائمة الرمضانية السنوية.
من المعروف – حتى لطلاب الابتدائي – أن من أسباب فرض الصيام في شهر رمضان الإحساس بالآخرين ومحاولة الاقتراب من معاناتهم وتخفيفها؛ فهو “حثّ على رحمة الفقراء وإطعامهم وسَدّ جَوْعتاهم، لما عانوه من شدة المجاعة في صومهم”، فهو – رمضان – في وجه من وجوهه الكريمة الكثيرة يدعو الناس من الأثرياء والأغنياء والرعاة، إلى النزول قليلا من أبراجهم العالية والنظر في أحوال الناس الآخرين – العاديين – الفقراء – البسطاء – من يكدون لأجل لقمة اليوم – من يعيشون على هامش الحياة ولا يلتفت إليهم أحد من السابقين المنشغلين طوال العام بجني الثروات ومطاردة اللذات وحبك المؤامرات السلطوية وغيرها من مظاهر الدنيا الزائلة؛ لكن جريان الزمن (الغشاش) جعل هؤلاء – الأثرياء وأصحاب الجاه – يحولون رمضان إلى مناسبة أخرى يتباهون بها ويتفاخرون خلالها بما يملكون ويأكلون ويشربون.
الإشكال الأكبر أن البسطاء والفقراء وبانقياد جمعي لا شعوري يجدون أنفسهم يقلدون من يظننهم يمثلون النموذج الأفضل للعيش في هذه الدنيا، فيبدؤون بدورهم – حسب ظروفهم وبضغطها وصهرها – في التنافس والتزاحم من أجل الاستعداد لـ (شهر الرحمة)، فيحولونه هكذا شهرا للصرف البذخي والديون المتراكمة والشراء الاستهلاكي غير المجدي، بدلا من استثمار قيمه الروحية والاقتصادية الحقيقية في تنقية أنفسهم وتوفير بعض المال لشهور العام الأخرى الطويلة، التي يستمر فيها الصرف المالي طيلة العام.. لكن!
هل لاحظت: في كل عام تشتري النساء أوان جديدة ويبتكرن أشكالا جديدة عالية الصرف من الطعام والشراب الرمضاني.
لماذا لا تحتج هذا العام، وتعيد رمضان إلى معناه الصحيح؟