فدوى موسى

ملاكمة الواقع


(عبدو) في وسط الغاضبين والملتحفين ببعض ظل في نهارات حارة… يلوذ بما تبقى من فيء وظلال شرف الرؤوس المزدحمة على مداخل وأواسط الموقف- الجلبة تزيد مراوح طواحينه المدورة منذ الصباح الباكر دون أن تهدأ حجارته المدققة.. حيث لا مكان للزمان ولا زمان للمكان تختلط أبعادهما معاً، مما يجعل كل خيوط الأبيض والأسود في رمادية الإزعاج العام.. المواق يملأ ويخلى.. الركاب يجيئون ويذهبون بغرض الركوب والنزول.. ومحطة الموقف هي أكثر لحالة ملاكمة للواقع الذي يحتاج للضربة القاضية التي تخفف من قوته الفارطة.. فالواقع يقول إن التعب والعذابات اليومية لا تراوح التكرار الدائم وتعاد وتكر بشكل ممتد ومواصل.. أصوات الناس في الموقف وروائح عرقهم تتنوع على الأنوف قد لا تزكمهم لكنها تكاد، فالشمس قد ذهبت تجفف هذا الماء المالح من منابع الخروج.. هو لا يظن فقط أن الناس تلاكم الواقع مجازاً بل حقيقة.. فهؤلاء الذين يحادثون أناس حقيقيين ثم تشتد المناقشة لحد الضرب والملاكمة.. فالكل ينظرون متوجسين من هذا الذي يحادث نفسه ثم يسدد اللكمة في الهواء.. لم يعد هو وحده المسكون بالجنون والرهبة من هؤلاء العقلاء الذين يعرفون أن الواقع لا بد أن يفرز أمثالهم يومياً ويزيد تعداداتهم في الطرقات والشوارع المترفة بالاجهاد الكلامي والجسماني والوجع المستدام.. أُناس تنقطع عندهم الشعرة ما بين الجنون والعقل في كل ارتباط ممكن وجائز.. تراكمات هذا الواقع البليد الذي يسوقه أحياناً انفجار السلوك مع مناخ متقلب ما بين مراثي وأفراح وأتراح ووجع وألم ثم يزداد تعداد المقبلين على شارع الانعتاق من العقل والانفكاك دون قيد .. فيذهب هذا يقود عربة الخيال الفارهة ويتقدم ذاك لوصف الإشارات والحركة يمنة ويسرة، وتتراقص تلك بشعر مسترسل الخيال طويل ويمارس ذاك البله في غير ما بله وعبط.. ومنهم جميعاً تتكون صورة معكوسة الزوايا والمرايا، ليكون الوضع في دقة الوصف أنه كوكتيل وخليط من سحنات متشاكسة في غير ما تشاكس ومتوافقة في غيرها توافق فوارق الاحتمال تمارس بعض من جذوة الانكتام المطوي على تحمل الكثير مراً مؤلماً.

آخر الكلام : الناس العقلاء من بعد ذلك ينظرون إلى بعض هؤلاء بشيء من شفقة ثم يهمهمون «بختكم» ما في زول يقول ليكم «غلطانين» .. الكموا.. اضربوا.. أدوها الضربة القاضية.. «ياها الدنيا كده».. اضربوها.. الكموها.. واعملوا رايحين قبل ما تفك وتجلي .. «ابقوا مارقين» .

مع محبتي للجميع.