(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)
بينما المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يستنشقون عبير شهر رمضان المعظم، والأرض تقترب من السماء فرحاً بالقادم الجديد، والملائكة تستبشر بالذين آمنوا وهم يشدون المآزر ويشمّرون عن السواعد استعداداً لطرق أبواب الجنان.. في هذا الوقت وقبل يومين من يوم الفرح بدخول شهر الصيام ينشط الشيطان في سعي دؤوب لإغواء الناس عن التقرب إلى ربهم الرحيم.
لست أدري والله هل هي مجرد صدفة أن تصمت قناة (أنغام) وتنام كل العام إلا من ساعات تصحو فيها ولا تنشط إلا قبل يومين من رمضان لتنشر إعلاناتها في الشوارع متبرجة وكاشفة عن برامج غنائية باذخة بدلاً من تراتيل قرآنية خاشعة؟.
هل هي مصادفة ألا يبث برنامج (أغاني وأغاني) كل عام إلا في شهر رمضان وليس في بقية أشهر العام، ولا ينطلق بثه اليومي إلا قبيل صلاة العشاء والتراويح في وقت يستعد فيه الناس لأداء الصلاة؟.
هل هي مصادفة أن ينشط كل مديري القنوات الفضائية في العالم الإسلامي طوال العام ليعدوا مسلسلات (العشق الممنوع) و(زنا المحارم) وما شابهها من برامج تدغدغ الغرائز وتشيع الفاحشة في الذين آمنوا مما لا يبث إلا في شهر القرآن والرحمة والغفران والعتق من النار في تجاهل كامل واستخفاف مدهش لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)؟.
لست من مدرسة تحريم الغناء وقد كنت أدير التلفزيون واختار أيسر الفقه الذي يخفف عبء التكليف على شعب طروب، وكنت سعيداً أن أجد (مخارجة) اعتذر فيها إلى ربي يوم يقوم الناس لرب العالمين من خلال حجة اجتهد فيها القرضاوي والغزالي وابن حزم وغيرهم كثير من الفقهاء الوسطيين الذين حللوا الغناء (المنضبط بضوابط الشرع).. نعم، سرت بمنهج التيسير ذلك أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ما خُيّر بين أمرْين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، ولكنني كنت أقرأ تفسير الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)، فتزلزل كياني وأشعر أني مخاطب بها كما خوطب بها ذلك المشرك من كفار مكة وهو يأتي بقصص الأكاسرة ليحكيها ويصرف بها أهل مكة عن سماع القرآن.
إني والله لمندهش ألا ينشط مشترو لهو الحديث إلا في شهر ينبغي أن ينشط فيه أهل القرآن في شهر ينتظره المؤمنون كل عام ويدعون الله تعالى أن يحييهم حتى يدركوه ليتقربوا خلاله إلى الله سبحانه وتعالى من خلال الدعاء (اللهم بلغنا رمضان).
ماذا نقول عن قناة (mbc) الفاجرة الداعرة التي تعد العدة طوال العام لتلهي الناس خلال رمضان عن ذكر الله وعن الصلاة ثم القنوات الأخرى التي تتكاثر كالفطر، وتعتبر أن فرصتها في الانتشار لا تواتيها إلا في رمضان؟!.
أعجب أن هذه القناة يمتلكها سعوديون.. نعم سعوديون من البلاد التي تحتضن بيت الله الحرام ومكة المكرمة، حيث بداية الدعوة إلى الله والمدينة المنورة، حيث هاجر المسلمون وأقاموا دولتهم التي انبلج منها نور الإسلام وانتشر في أرجاء الدنيا.. أعجب ألا يصدر قرار يوقف هذه القناة التي تعرض كل غثاء العالم بما في ذلك المسلسلات التركية التي تفتك بقيم الإسلام وثوابته.
ليت القائمين على الأمر في كل عالمنا الاسلامي يعلمون أن لكل فعل رد فعل وإذا كان هناك من يستفزون مشاعر أبناء الأمة ويخرجون على قيمها وأخلاقها فإن هناك من يغضبون لربهم ولدينهم، خاصة عندما لا يجدون من أهل السلطان من يوقف هؤلاء الخارجين على قيم الأمة ودينها في شهر كان ينبغي أن تستنفر المؤسسات والأجهزة لتعمل في تناسق وانسجام مع مطلوبات اللشهر الفضيل بدلاً من أن تصد الناس عن سبيل الله بإلهاب الغرائز وبالدعوة إلى المنكر والنهي عن المعروف.
حادثة مقتل الأمريكي غرانفيلد نتجت عن استفزاز مشاعر أولئك الشباب وغيرهم، ورغم أنني أرفض ما اقترفوه من فعل فإني أتفهم مشاعرهم الصادقة في مواجهة ذلك الرجل الأجنبي الذي أتى ما يكرهون في ليلة رأس السنة.
منظمة بوكو حرام (الإرهابية) التي اتخذت هذا الاسم الذي يعنى حرمة التعليم الغربي ما انطلقت إلا كرد فعل لما رأته من منكر واستلاب ثقافي ومفاهيم تتعارض مع الإسلام.
سعدت – نوعاً ما – عندما حول وقت برنامج (أغاني وأغاني) إلى ما بعد صلاة التراويح، ولكن كان ذلك في عام واحد ثم عادت الأمور إلى ما كانت عليه.. لماذا وكيف حدث ذلك؟ لا أدري والله!.
ماذا ترانا نفعل ونحن نرى مثل هذه الأفعال المتعارضة تماماً مع الشعارات المطروحة من قبل القائمين على الأمر؟.
ماذا نقول غير حسبنا الله ونعم الوكيل وغير أن نبرأ إلى الله مما يفعل هؤلاء؟!.
يا حليل السيد كافوري ومهنة حليب الابقار
بارك الله فيك
أسأل الله ان يتقبل منك قول الحق. و ان لا يمنعنا اجره