أحمد منصور.. قصة تروى
كنت أسائل نفسي، كلما جلست لمتابعة حلقة تلفزيونية متقنة للبرامجي العربي الأشهر الأستاذ أحمد منصور، كيف أصبح بمقدوره إدارة برنامجين شاهقين أسبوعيا في قناة جماهيرية ونخبوية مثل قناة الجزيرة، قناة ﻻ تعرف المجاملة وﻻ تقبل التثاؤب، على النحو الذي نشاهده في برنامجي “شاهد على العصر” وشقيقه “بلا حدود” على أن البرنامجين الحواريين يحتاجان لجهود تحضيرية مضنية، وقد يحتاج أحمد منصور لشهور بأكملها ليقرأ عشرات الكتب ويجمع عشرات الإفادات لصناعة برنامج “شاهد على العصر”، إنه أحمد منصور صاحب الوزن البرامجي الأثقل في عصر برامج ﻻ وزن وﻻ لون وطعم لها، كثيرون هم الذين سبقونا بشهاداتهم على أن أحمد منصور بلا منازع هو سيد البرامج الحوارية، العربية على أقل تقدير.
فغير العمق القيمي والمعلوماتي يبهرك بثراء التنوع وكثرة الترحال، يطل عليك هذه المرة من تونس في سلسلة حلقات توثيقية مع الكادر عبد الفتاح مورو أحد مؤسسي حركة النهضة التونسية، وهو ذاته وفي، بلا حدود، وفي ذات الأسبوع يتحفك من برلين وبلاد الألمان على النحو الذي حدث في الواقعة الأخيرة، فليس أقل، والحال هذه، من أن تتوج مجهودات منصور التلفزيونية وتؤطر في مدرسة متفردة خاصة به، هي مدرسة أحمد منصور الحوارية.. أسأل الله له الصحة والعافية والحفظ ..
* على أن أعظم ما في أطروحة الجزيرة الإعلامية يكمن في قدرتها، في وقت واحد، على العمل بتيم متعدد المدارس الفكرية والمشارب العقدية من العروبيين والإسلاميين واليساريين والعلمانيين، فلم يكن ثراء التنوع مدعاة ذات يوم لتنازع بقدر ما كان دعما للتناغم، السبب الذي جعل متابعي قناة الجزيرة العربية هم بحجم كل الأمة على مختلف تناقضات وتقاطعات نخبها وجمهورها، عامتها وخاصتها.
* ينهض هذا المقال بطبيعة الحال، على خلفية عملية توقيف السيد منصور ببرلين ومحاولة تسليمه الي السلطات المصرية، الحالة التي هي لعمري أقرب يومئذ الي تراجيديا “دولة ضد رجل ورجل ضد دولة” لما يصبح نظام حكم بأكمله يلاحق صحفيا ﻻ يملك إلا قلم الجرأة وكاميرات الحقيقة، لما يزلزل نظام بحاله تحت سطوة كلمة وجبروت صورة.
ولو كان خيال السلطات هناك يتسع، إلى أن هذه الملاحقة ربما تزيد من احتدام بطولة الرجل، لدرجة أن حكومة أحفاد هتلر تدخل في اجتماعات ماراثونية تحت جند وحيد وعاجل هو أحمد منصور لما فعلت ذلك.
* ذهب أحمد منصور إلى برلين كنجم إعلامي، وعاد كرمز للحرية والبطولة والإعلام القضية، الإعلام الحقيقة، الإعلام السلاح الأكثر فتكا من راجمات الأنظمة ومشانق إعدامها التاريخية.
* سلمت أخي أحمد منصور ما سلمت الحرية، وبقيت مابقيت الحقيقة.. والله خير حافظا وهو يتولى المخلصين.