“الجزيرة” والإرهاب الرسمي
لم تكن بالقطع حادثة توقيف أحمد منصور الصحفي بقناة الجزيرة في ألمانيا الأسبوع الماضي، إلا جزءًا يسيرا جدا من الإرهاب الرسمي الذي تجابهه القناة منذ أن بدأت مسيرتها التي اقتربت من العشرين عاما.. وتكالب الإرهاب الرسمي على “الجزيرة” من لدن دول كبيرة وصغيرة، كما تتكالب الأكلة على قصعتها. وفي حالة منصور تشكل لوبي ألماني – مصري حين تبين أن مذكرة الشرطة الفيدرالية في ألمانيا موجهة من السلطات المصرية بشكل مباشر للإنتربول الدولي، وبشكل غير مباشر للسلطات الألمانية.
التاريخ القريب يسجل منطلقات الصغار والكبار في حربهم على “الجزيرة”، ففي عام 1998 وصفت جريدة “تاتس” الألمانية المعروفة، “الجزيرة” حينذاك بأنها ريح منعشة في الإعلام العربي هبّت من ركن لم يتوقعه أحد، وأن ما تقدمه من رأي ورأي معارض يعتبر ثورة في منطقة تستخدم فيها وسائل الإعلام كأبواق موصلة لأقوال الحكام”.. وفي 2002 أكد أستاذ الإعلام والاتصال الفرنسي دانيال بونيو أن “الجزيرة” جرحت نرجسية الغرب وتفرّده واحتكاره للمعلومة والخبر وأن ما تقوم به الجزيرة هو إنجاز كبير في تاريخ الإعلام الحديث”.
وحتى منتصف ليلة السابع عشر من يناير من العام 1991م كان العالم أمام حقبة جديدة من الإعلام المرئي، لم يكن لها نظير قبل هذا التاريخ الذي نقلت فيه محطة الـC.N.N الإخبارية الأمريكية أحداث قصف طائرات التحالف الغربي للعاصمة العراقية بغداد حيث قُدّر عدد المشاهدين الذين تتبعوا الحدث بنصف مليار إنسان موزعين على 105 دول في أرجاء المعمورة. بيد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م أظهرت ماردا إعلاميا جديدا.. وقامت قناة الـC.C.N في حرب الخليج الثانية بدور لا يقل عن دور الآلة العسكرية فيها، ولكن في حرب أفغانستان ظهر جليا أن الـC.C.N فشلت تماما في احتكار الحدث، وذلك بعد دخول قناة الجزيرة.
وتُعتبر “الجزيرة” أول قناة تبث المعلومة من الجنوب إلى الشمال، وهكذا تغيّر مجرى كان ينساب بشكل لا نهائي من الغرب نحو الشرق. ولدى العرب الذين كانوا يلجأون إلى الـCNN أوFox أو الـBBC من الآن فصاعدا برامج مماثلة بلغتهم الأُم، ووسائل إعلام تتناول القضايا الدّولية الكُبرى بكفاءة مع تبني رؤية تلائم القضايا العربية الإستراتيجية.
وكسرت “الجزيرة” بجدارة طوق الاحتكار فغدت تواكب الأحداث وتنقل الأخبار من مواقعها عبر شبكة مراسليها ومكاتبها في مختلف أنحاء العالم على الهواء مباشرة، وأعادت جسور الثقة والتواصل مع المشاهد العربي الذي طالما اعتمد على مصادر إخبارية ومعلوماتية ذات غرض مفضوح.
وفي تقرير لمجلة The National Review الأمريكية في 2004 – وهي تمثل اليمين المتشدّد – أوردت تقول: “منذ انطلاقة الجزيرة في العام 1996، كانت أهم مصدر للمعلومات عن الغرب لكثيرٍ من الناس في العالمين العربي والإسلامي. وتساعد المحطة في تشكيل آراء حوالي 45 مليون شرق أوسطي، بالإضافة لأعداد كبيرة من الأوروبيين المتكلمين باللغة العربية و150 ألف أسرة أمريكية”.. وقالت وكالة رويترز للأنباء في تقرير لها بثته في 2006: “إن استطلاعات الرأي العام تظهر أن القناة المفضلة في غالبية المنازل العربية هي قناة الجزيرة وقفزت إلى قمة النجاح بالجمع بين الأنباء الواقعية والتصميم البارع والبرامج الحوارية التي تخرج عن سياج المحظورات في العالم العربي.
لهذا كله كان للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن موقفا مشهودا من تأثير الجزيرة القوي، فقد نشرت صحيفة الديلي ميرور البريطانية في 22 نوفمبر 2005م موضوعاً حصرياً على غلافها تقول فيه إن بوش خطط لتفجير مبنى قناة الجزيرة في بلد عربي صديق حسبما كشفت عنه مذكرة “سرية جداً top secret” صادرة عن 10 داوننغ ستريت. وأوردت الصحيفة تقول:”كشف بوش عن فكرته في ضرب المدنيين في الجزيرة أثناء قمة عُقدت وجهاً لوجه في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في يوم 16 أبريل من العام 2004م. في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تشن هجوماً شاملاً على مواقع المتمردين في مدينة الفلوجة العراقية. وأغضبت الجزيرة حكومتي لندن وواشنطن بتغطيتها للأحداث من داخل خطوط المتمردين ونشرت صوراً للجنود القتلى والمقاولين الخاصين والضحايا العراقيين”. وأضافت الديلي ميرور:”تثير مذكرة داوننغ ستريت اليوم شكوكاً جديدة حول مزاعم الولايات المتحدة أن الاعتداءات السابقة على مكاتب الجزيرة كانت مجرد أخطاء عسكرية”. ومعلوم أن الولايات المتحدة قصفت مكتب قناة الجزيرة في أفغانستان بشكل مقصود، في 13 نوفمبر من العام 2001، وفي 8 أبريل 2003م وبعد أسابيع من غزو العراق قصفت الولايات المتحدة مكتب الجزيرة في بغداد وقتلت المراسل طارق أيوب.
إن لقناة الجزيرة أهمية إستراتيجية سياسية وإعلامية تتعدى نطاق دولة قطر لتشمل العالم العربي والإسلامي الذي شهد لأول مرة نمطا جديدا من الإعلام الحُر، فالناظر إلى هذا الكم الكبير من الفضائيات العربية والتي تتجاوز المئات يصاب بالدهشة للتأثير الضعيف الذي تمارسه هذه القنوات في الرأي العام العالمي وصوتها المبحوح في إيصال القضايا المصيرية.
يا سيدي د. ياسر هذا مقال ولا سي في مقدم لقناة الجزيرة للعمل بوظيفة محرر الأخبار الحارة والاستراتيجية . بالتوفيق