من وراء استقطاب الشباب السودانيين الى (داعش)؟!
في مارس الماضي، التحقت مجموعة تقدر بنحو (11) طالباً وطالبة من طلاب الطب جامعة (العلوم الطبية) بتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا المعروفة «بداعش»، معظم هؤلاء الطلاب يحملون الجنسية البريطانية، ويدرسون مجالات الطب والصيدلة والهندسة وعلوم الحاسوب وتقنية المعلومات والكيمياء الحيوية والعضوية، مبررين التحاقهم بداعش «بمداواة الجرحى». حالة من الاستقطاب شهدتها الجامعة «مأمون حميدة» للمرة الثانية أسفرت عن مغادرة مجموعة قوامها «12» طالباً وطالبة «بداعش» فجر الجمعة الماضية، ما يقود الى عدة تساؤلات عالقة في أذهان الكثيرين على رأسها من الذي وراء داعش في السودان؟ وهل شمل الاستقطاب فئات اخرى غير الطلاب؟ وما مدى الخطورة التي تشكلها داعش في ظل تمادي حالة الاستقطاب؟
ظاهرة متجددة:
إن ظاهرة التطرف الديني ليست جديدة، ولكنها متجددة. وهي ليست مختصة بدين معين فكل الأديان مرت وتمر بفترات تتصاعد فيها حالات من التطرف، ثم بعد مدة لاتلبث هذه الظاهرة أن تخبوا لتعود وتظهر بعد مدة بصيعة أخرى وثوب جديد. إن نظرة سريعة على تاريخ الأديان السماوية الأربعة تؤكد هذه الحقيقة. إن القاسم المشترك لكل حالات التطرف هو عدم اعترافها وقبولها بالآخر واعتقادها القطعي بامتلاكها للحقيقة دون الآخر المختلف، غير أن مسألة الاستقطاب الحاد التي بدأت اوساط طلاب الجامعات في السودان من الواضح إن عملاً منظماً ومرتباً يتبع لجهات منظمة تبعد عن العمل العشوائي والفردي، في محاولة لأكثر من مرة لاستقطاب طبقة شبابية مستنيرة ومتعلمة لجذبها لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش». ويقول الصحافي المختص في شأن الجماعات الإسلامية الهادي محمد الامين لـ«الإنتباهة» واضح أن مسألة الاستقطاب الحاد في أوساط طلاب الجامعات تديرها شبكات منظمة لا تمت للعمل العشوائي والفردي بأية صلة، فهو عمل منظم ومرتب يُدار بذكاء ودهاء. ويضيف الهادي إن هذه الشبكات استغلت وضع السودان وظروفه المعيشية والانشغال بها بجانب استغلال انشغال الحكومة بالحروب في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور، ويزيد أن لهذه الجهات والشبكات إمكانيات هائلة حاولت توظيفها من خلال الشباب الطلاب، ووجدت أنه من السهل اقناعهم وجذبهم لداعش بعد سقوط المشروع الإسلامي.
ويضيف الهادي أن ثمة طريقتين لاستقطاب الشباب أولاهما تكون بالاستقطاب المباشر كما حدث في أكاديمية العلوم الطبية التي باتت قاعدة لتجنيد الطلاب، أما الطريقة الثانية فهي عبر التواصل الالكتروني. ويرى الامين أن الطريقة الثانية هي الاكثر تأثيراً لما تتمتع به من حرية أكبر وفعالية أكثر في تشكيل القناعات، علاوة على اكمال ترتيبات التفويج لخارج السودان. ويضيف أن ظاهرة سفر الفتيات السودانيات للقتال في صفوف التنظيمات الجهادية وعلى رأسها (داعش) يعد ظاهرة جديدة، مضيفاً انه توجد مثل هذه الظاهرة في الدول الغربية. ويمضي الامين في حديثه ويقول إن وصول فتيات سودانيات لسوريا او العراق للقتال ضمن صفوف داعش، قد يعطي دافعاً لهجرة المزيد من الفتيات، ويلفت الانتباه إلى أن الظاهرة اقتصرت فيما مضى على الشباب، قبل أن تتطور بهجرة أسر بكاملها لمبايعة البغدادي والإقامة تحت راية الدولة الإسلامية. ويقول الامين ما حدث جمع ثلاثة عناصر هي الهجرة والبيعة والقتال تحت راية خلافة البغدادي، وهو ما لم يتوفر لقادة التنظيمات الجهادية من قبله بمن فيهم زعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن.
وقال الامين إن الوضع يدعو الى الرثاء والشفقة وتوقع مزيداً من الانفجار حال استمر الوضع بهذه الصورة، ورأى أن تنتيه الجامعات لطلابها وأن تخضع عملية القبول لدوافع وأسس، وطالب بوضع رقابة على الطلاب الأجانب، مشيراً الى وجود تساهل من بعض الجهات في مسألة قبول الطلاب الأجانب بجانب وجودهم في داخليات واحدة. وطالب الامين باحتواء الظاهرة بالحوار وأن يكون حواراً مفتوحاً مع بعض الشيوخ الذين يدرسون الفكر الداعشي، مبيناً أن ذلك يشكل خطورة على المستوى السوداني، مطالباً بوجود جسم ارشاد نفسي يدرس حالة سلوك الطلاب والتحولات التي تحدث اليهم أثناء دراستهم. وأضاف الامين أن حالة الاستقطاب شملت فئات اخرى غير الطلاب، مشيراً الى أن هنالك مجموعات قتلوا في مالي وشباب في العراق وسوريا والصومال، بجانب الهجرات الأسرية.
منصة للاستقطاب:
أن أكاديمية السودان للعلوم الطبية مثلت منصة لاستقطاب الشباب لصالح (داعش)، ويقول «يتم ذلك لعدة اعتبارات إنها جامعة ذات طراز عالمي تجمع طلاباً من جنسيات مختلفة، فضلاً عن أن التواصل بين طلابها سهل لا سيما وأن لديها داخليات راقية توفر فرصة إضافية لعملية الاستقطاب». ويزيد «كذلك المستهدفون ممكن يكونوا أبناء قيادات فاعلة ونافذة في الحراك المجتمعي والسياسي والمدني، ولأبناء وبنات شخصيات بارزة ومعروفة او أبناء دعاة وأئمة كبار يعدون رموزاً في المجتمع، غير أن المحلل السياسي حسن مكي في حديث سابق لـ «الإنتباهة» قال إن أصل (داعش) أصلها شباب أنقياء أتقياء، وأعمارهم صغيرة، أتوا كرد فعل للمد العلماني الكافر. ويضيف أن هذه المجموعة توصلت إلى أن السلاح هو الحل وهم لا يعلمون أن السلاح مجرد خط من الخطوط، وإذا اعتقدوا أن المعركة ستكسب بالسلاح سيكونون ضحايا. ويلفت مكي إلى أن الحركة الإسلامية مثلت مناعة للسودانيين ضد الحركات الجهادية العالمية، لذلك من هاجر من السودانيين لم تكن له علاقة بهم لذلك لم تكن لهم خبرة توصلهم لقيادة تلك التنظيمات. ويختم مكي حديثه بأن الحركة الإسلامية وجهادها استنفذا الحركة الجهادية بالسودان.
الشغل الشغال:
اعتبر نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن أن التطرف أصبح الشغل الشاغل للعالم ومعالجته تكون بالحوار الفكري والثقافي والمجادلة بالحسنى، نافياً وجود أية مظاهر للتطرف والإرهاب في السودان، متهماً جهات داخلية وخارجية ومخابرات دولية بأنها تقف وراء ظاهرة التطرف في المجتمعات العربية والأفريقية، داعياً لمعالجة التطرف عبر معرفة دوافعه. وقال إن ظاهرة التطرف تعد واحدة من التحديات الأمنية التي تواجه المجتمعات العربية والأفريقية، وشدّد حسبو خلال مخاطبته قمة التطرف في المجتمعات العربية والافريقية في وقت سابق على ضرورة البحث عن دوافع وأسباب الظاهرة ومعرفة الوسائل المثلى لمعالجتها، مناشداً الشباب ضرورة ترسيخ مبادئ الحوار والتراضي وقبول الآخر وتعزيز قيم السلام ونبذ الكراهية والنزاعات. متهماً جهات داخلية ومخابرات دولية، لم يسمها بأنها تقف وراء ظاهرة التطرف في المجتمعات العربية والأفريقية. وقال إن المخابرات الدولية تدعم التنظيمات الإرهابية بالسلاح والاتصالات. ونفى أن تكون في السودان أي من ظواهر التطرف والإرهاب، وقال إن الظواهر التي بدت قليلة في السودان – حسب وصفه – كان علاجها في مهدها عبر أسلوب الحوار المباشر.
وسائل اتصال:
ويرى المحلل السياسي واستاذ العلوم الساسية بروفيسور الطيب زين العابدين خلال حديثه لـ«الإنتباهة» أن هنالك وسيلتين للاتصال لجذب واستقطاب الشباب لداعش اولاً الاتصال بواسطة الوسائل الاسفيرية تويتر والفيس بوك والواتساب، مشيراً الى أن داعش تمتلك 100 ألف موقع الكتروني أغلبها للاتصال بالشباب وتجنيدهم لداعش، هؤلاء يتمتعون بقدر عالٍ من التعليم متخصصين في مخاطبة الناس. أما الوسيلة الثانية فتوجد خلية تعمل على التدريب وتتصل بأساليب مختلفة تساعدهم في الحصول على المعلومات، وأضاف الطيب إن كل الاتجهات السياسية موجودة في جامعة العلوم الطبية، ولكنها غير معلنة تعمل (تحت تحت)، مشيراً الى أن داعش قوة عسكرية تعمل على استهداف الشباب المتعلمين فقط أغلبهم لديهم جنسيات بريطانية ولا يوجد فيها من بلغ عمره 70 عاماً.
ام سلمة العشا
صحيفة الإنتباهة