لن نغفر . . لن ننسى اغتيال الرئيس محمد بوضياف (2)
طوال الظهيرة، تعلّقت عيون الجزائر بشاشة التلفزيون؛ الكلّ يريد أن يرى ويسمع هذا الرجل الذي دخل حزب الصّمت، منذ ثلاثين سنة. ماذا تراه سيقول؟
الكلّ يريد أن يقبّل، ولو بعينيه، هذا الذي يناديه رفاقه «سي الطيّب الوطنيّ» والذي تناديه قلوبنا اليوم «أبي».
فمنذ موت بومدين ونحن يتامى. نعاني إفلاسًا عاطفيًّا، يفوق إفلاس اقتصادنا، وعجزًا وطنيًّا في المحبّة، يفوق عجز ميزانيّتنا.
نحن نبحث عن رجل، له قامة عبد النّاصر، وكلمات بومدين، ونزاهة بوضياف؛ رجل في بساطة أهلنا، يمرّر يده على رؤوسنا، يربّت أكتافنا، يقول لنا أشياء بسيطة نصدّقها. يعدنا بأحلام بسيطة ندري أنّه سيحقّقها، يبكي أمامنا على كلّ من ماتوا، دون أن يحقّق في انتماءاتهم. يعتذر للأحياء عن موتاهم.. وللموتى عن اغتيال أحلامهم.
رجل منذ نزوله من الطّائرة يعلن الحرب على من سطوا على مستقبلنا، وبنوا وجاهتهم.. بإذلال وطن.
يقول «الجزائر قبل كلّ شيء» فيوقظ فينا الكبرياء.
وتصبح كلماته البسيطة شعارنا.
قطعًا.. منذ الأزل، كنّا ننتظر بوضياف، دون أن ندري. ولكن بوضياف، ماذا تراه كان ينتظر؟ هو الذي قال يومها لزوجته «كلّ هذه الحفاوة لن تمنعهم من اغتيالي.. فلا ثقة لي بهؤلاء».
وعندما سألته إن كان جاء إذن بنيّة الانتحار. أجابها كمن لا مفرّ له من قدره «إنّه الواجب.. كلّ أملي أن يمهلوني بعض الوقت».
ولم يمهلوه !
من رواية ” فوضى الحواس “1997