رسائل إلى زينب 5
من لهفتي على قراءة الرسائل، عدت الليلة وفي بالي شيء وحيد هو قراءة الرسالة الخامسة ومعرفة المصير الذي أسسته آلاء بظهورها المفاجئ في حياة عاشق زينب، تركت كل عاداتي اليومية وولجت إلى غرفتي مباشرة، أخرجت الصندوق الحديدي، ومن داخله أخرجت الرسائل الموضوعة داخل كيس النايلون؛ بيد أن العاشق فاجأني في رسالته الخامسة بالانتقال إلى موضوع آخر تماما دون أي ذكر لـ (آلاء) ووجودها في حياته وما شكله هذا الوجود من تغيرات. قرأت: “يا زينب، هل تدركين معنى البكاء، هل جربت بكاء العاشقين يوماً، ألمهم ووجعهم والنار التي تضطرم في أفئدتهم؟ هل تذوقتِ طعم الدمع؛ دمع العاشقين، ماء مآقيهم المقدس، رسائلهم الشفيقة من النفس إلى الروح. هل بكيت عشقا يوما يا زينب؟ وكيف يكون هذا البكاء، أهو بحلاوة الحنين ولذة الاحتياج؟ أنا لم أبكيك بعد، الدموع تملؤني، لكني لم أبكيك بعد، الحنين يزحمني ويخنقني، لكني لم أبكيك بعد، الاحتياج يفضحني، لكني لم أبكيك بعد.. الدموع يا زينب تجمعت في عيني، البكاء بحيرات من الدمع تجمع في عيني لكنه يأبى أن ينهمر وينحدر ويسيل. الدموع حليفتي، غطائي وأماني، أنام بها واستيقظ وهي حبيسة محجريها تأبى الانحدار. كلُ ذكرى منك دمع يتجمع يا زينب، وكل حنين إليك دمع يتكون يا زينب، وكل يأس، كل أمل، كل بؤس، كل حلم، كل نداء، كل صباح ومساء، كل شيء يقود إليك ويعيدني منك، أحسه دمعا بعيني يا زينب. لم أبك بعد، متى أبكي وأنت ما زلت بعيدة وعصية ومستحيلة، كيف أبكي وأنا ما زلت تائها اجتر ذكرى لقائك وأجد في السعي ولا أراك. بكائي حضورك يا زينبي، دموعي حضورك يا زينبي، دمعي لن ينهمر إلا بمرآك، روحي لن تتطهر إلا بلقياك.. سأبكي حينها يا زينب، أعي هذا وأحسه جيدا، أمامك فقط وبين يديك ستنهمر أدمع كل هذه السنوات، بحيرات الدموع ستسيل وتغسل كل هذه الأوجاع.. سأبكي حينها”. رسالة في البكاء قصيرة ومباغتة قرأتها سريعا، وهممت بتناول الرسالة التي تليها، لكن تذكرت التزامي أمام نفسي فكبحتها. خرجت من الغرفة الطينية لأبدأ من جديد طقوس عاداتي اليومية ما قبل النوم. غدا أيضاً يوم طويل وشاق. يا للتعب.