العيب!
ﻻ يحق من الآن فصاعداً لحزب المؤتمر الوطني وصحافته وصحافييه أن يهاجموا أو يتهكموا ويسخروا ويجرموا الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني الأخرى التي ظل بعضها يتلقى أمواﻻً وهبات من سفارات ودول، وظللنا جميعاً نسلقها بألسنة حداد بعد فضيحة تسلم المؤتمر الوطني هدية من حزب أجنبي عبر سفير دولة أجنبية.
إنه والله لأمر محزن أن تتسلم القيادية بالمؤتمر الوطني أميرة الفاضل وعلى رؤوس الأشهاد تبرعاً زهيداً من الحزب الشيوعي الصيني عبارة عن 80 جهاز كمبيوتر سلمه السفير الصيني الذي يخلط بين الحكومة التي يمثلها والحزب الحاكم في الصين، ويباشر الدورين كما يفعل بعضنا ممن ﻻ يعرفون أبجديات الممارسة الديمقراطية، فالحال من بعضه! ألم يخلع جماعة المؤتمر الوطني على مساعد رئيس الجمهورية لقب أو منصب نائب الرئيس لشؤون الحزب كما لو كان منصب نائب رئيس الحزب منصباً حكومياً رسمياً؟!
لو كان جماعة (الوطني) قد تسلموا تلك الهدية بالسر (تحت تحت) كما يحدث في كثير من الممارسات التي يحمد لهم أحياناً أنهم يتوارون خجلاً حين يقترفونها، لطوي ذلك ضمن الكثير مما طوته أضابير التاريخ المسكوت عنه والمخفي، أما أن يعلن على الملأ فوالله إنها لقوة عين ﻻ نملك إزاءها إﻻ الدهشة المخلوطة بالحوقلة!.
لكن من بربكم يحاسب ويضبط ويراقب ويُعمل قانونه في أولياء نعمته ممن نصبوه في موقعه؟، مجلس الأحزاب الذي ﻻ يهش وﻻ ينش وﻻ يفعل شيئاً، إﻻ عندما يشتكي عضو في حزب أنه فصل، ﻻ حول له وﻻ قوة بالرغم من أن ما اقترفه الحزب الحاكم خطيئة يحاسب عليها القانون ولكن !.
أقولها بملء فيّ، إن على الحزب الحاكم أن يُعيد هذه الأجهزة إلى السفارة الصينية بدﻻً من خنق نفسه وسمعته وقطع لسانه في مواجهة كل من يفعل ما فعل، فالأجهزة لم تقدم فقط من الحزب الشيوعي الصيني إنما قدمها سفير (عديل)، فهل يجوز للحكومة أو مجلس شؤون الأحزاب أن يمنعوا أو يستنكروا أو يجرموا بعد اليوم تلقي العطايا والهبات التي يقدمها السفراء والسفارات للأحزاب أو المنظمات أو الشخصيات السياسية؟.
الأمر خطير وسابقة مدوية، ويفتح أبواب جهنم على أمننا القومي، وأعجب أن يقبل الحزب الحاكم الذي يتقلب في النعيم ورغد العيش 80 جهاز كمبيوتر ﻻ يتجاوز سعرها الخمسين ألف دوﻻر وبالرغم من ذلك يفتح أبواب الجحيم على نفسه وعلى وطننا وأمننا القومي؟.
العجيب أن الحزب الحاكم نفى قبل نحو عامين خبراً عن تلقيه دعماً من الحزب الشيوعي الصيني لبناء مقره بالرغم من أن كلفة المقر قد تبلغ ملايين الدوﻻرات، بينما يرضى الآن بتشويه صورته بهذه الهبة الرخيصة وهو الذي يشتري العربات بالمبالغ المليارية لكوادره الطلابية.. كم بربكم تبلغ كلفة عربة واحدة مما يغدق به على طلابه مقارنة بعطية الصين الهزيلة التي لطخ بها سمعته وشرعن للآخرين أن يحذو حذوه حتى لو كان ذلك مخالفاً للقانون وحتى إن كان يمثل تهديداً لأمننا الوطني؟.
أما مجلس شؤون الأحزاب النائم نوم العوافي، فحُقَّ للحسن الميرغني وحتى للشاب حسون أن يسخر منه ويتهمه بأنه يتدخل أو تدخل بالفعل فيما ﻻ يعنيه حين أقدم على مطالبة حزب الميرغني بعقد مؤتمره العام وحين أرجع بعض مفصوليه .. لماذا ننكر على الميرغني الصغير ولحسون مخاطبة المجلس بهذه الصورة وقد تخلّى عن دوره الممنوح له بالقانون، فكما أنه عاجز عن إنفاذ القانون فيما يتعلق بعطية الصين للحزب الحاكم، فإنه ينبغي بذات المنطق أن يكف عن أعمال القانون تجاه حزب الميرغني، سيما وأنه حزب حاكم حتى ولو كان يقوم بدور الكومبارس.!
ليتنا نعلم أن هناك مطلوبات للنظام الديمقراطي ينبغي أن تتوافر، وإﻻ فإنه ﻻ فائدة من الزعم الكذوب أننا نمارس الديمقراطية ومن أهم تلك المطلوبات مثلاً استقلالية مجلس شؤون الأحزاب السياسية بحيث ﻻ يخضع للسلطة التنفيذية ويكون على مسافة واحدة من جميع الأحزاب بل ويكون من القوة التي تجعله يطبق قانونه على الجميع وﻻ تأخذه في الحق لومة ﻻئم، أما أن يعنفه ويتهكم به البعض لأنه مارس صلاحياته الممنوحة بالقانون فهذا ما ﻻ يجوز بأي حال، كذلك فإن أهم مطلوبات الممارسة الديمقراطية الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية (لرقابية) والقضائية.
أقول إننا نحتاج إلى أن نرسي مبادئ الممارسة الديمقراطية وإعلاء مبادئ حكم القانون، وما من حزب ينبغي أن يقدم المثال لسيادة تلك القيم أولى من الحزب الحاكم الذي ينبغي أن يقود المسار الديمقراطي، سيما وأنه يتمتع بالسلطة والثروة التي ينبغي أن تجعله يطمئن وﻻ يخشى من أعمال تلك المبادئ والممارسات.
خذ هذه قبل حوالي سبع سنوات زار أحد الوزراء وصديق له مطبعة ليطبع صديق الوزير كتاب يخصه. لحسن الحص أو لسؤه كان المسئول في تلك المطبعة الكبيرة في دبي شاب سوداني. المطبعة المعنية لا تقبل الاعمال الصغيرة مثل طباعة الكتب خاصة للكتاب غير المعروفين ولكن الشاب السوداني استحى من ضيفوفه بعد أن وضح لهم أنهم لا يقبلون العمليات الصغيرة ولكن إكراما لهم كسودانيين قبل أن يقوم بالطباعة وكان المبلغ المتفق عليه تافها للغاية – المهد بعد دفع المقدم خرجا الوزير وصاحبه ولكن الوزير عاد للشاب السوداني المسئول وهمس له في أذنه وقال ليه ما تنسى حقي. تخيلوا داير عمولة هذا الرجل كان وزير ثم أطيح به ثم عين واليا ثم أطيح به ثم اختفى كم سنة كده ثم أعيد واليا.