جعفر عباس

ركّز على المحتوى وليس القشور

من التقاليد الجميلة في الجامعات والمدارس الثانوية الأمريكية أن خريجيها يعودون إليها بين الحين والآخر، على مدى السنين في لقاءات (لمّ شمل) منظمة ومبرمجة، بحيث يلتئم شمل أبناء وبنات كل دفعة وفوج، فيقضون وقتاً ممتعاً في مباني الجامعات التي تقاسموا فيها القلق (والشقاوة والعفرتة)، ويتعرفون على أحوال بعضهم البعض: من نجح وظيفياً ومن تزوج ومن أنجب.
وفي إحدى تلك الجامعات التقى بعض خريجيها في منزل أستاذهم العجوز، بعد سنوات طويلة من مغادرة مقاعد الدراسة، وبعد أن حققوا نجاحات كبيرة في حياتهم العملية، ونالوا أرفع المناصب وحققوا الاستقرار المادي والاجتماعي، وصار لهم عائلاتهم الخاصة وعيالهم، وبعد عبارات التحية والمجاملة طفق كل منهم يتأفف من ضغوط العمل والحياة التي تسبب لهم الكثير من التوتر، و«يا حليل أيام الدراسة وراحة البال. ما كنا نشيل هم. باب هات المصروف. ماما وين القميص. والحين دوام وفواتير وترقيات متأخرة ومجالس تأديب وعجوزات في ميزانية البيت، ومشاكل أقساط السيارة.. أُف».
وغاب أستاذهم العجوز عنهم قليلا ثم عاد يحمل إبريقا كبيرا من القهوة، ومعه أكواب من كل شكل ولون: صيني فاخر، على ميلامين، على زجاج عادي على كريستال على بلاستيك، على ورق. يعني بعض الأكواب كانت في منتهى الجمال تصميماً ولوناً وبالتالي باهظة الثمن، بينما كانت هناك أكواب من النوع الذي تجده في أفقر البيوت، وقال لهم الأستاذ: تفضلوا، كل واحد منكم يصب لنفسه القهوة. وعندما أمسك كل واحد من الخريجين بكوب قهوته تكلم الأستاذ مجدداً: هل لاحظتم أن الأكواب الجميلة فقط هي التي وقع عليها اختياركم وأنكم تجنبتم الأكواب العادية البسيطة؟ شوفوا يا شباب، من الطبيعي أن يتطلع الواحد منكم إلى ما هو أفضل، وهذا بالضبط ما يسبب لكم القلق والتوتر، فما كنتم بحاجة إليه فعلا هو القهوة وليس الكوب، ولكنكم تهافتم على الأكواب الجميلة الثمينة، وعين كل واحد منكم على الأكواب التي في أيدي الآخرين، وكل واحد يريد أن يفوز بكوب أجمل من الذي عند من يقفون بالقرب منه، ولو كانت الحياة هي القهوة فإن الوظيفة والمال والمكانة الاجتماعية هي الأكواب، وهي بالتالي مجرد أدوات ومواعين تحوي الحياة، بينما نوعية الحياة (القهوة) هي، هي، لا تتغير، وبالتركيز فقط على الكوب نضيع فرصة الاستمتاع بالقهوة، وعليه أنصحكم بعدم الاهتمام بالأكواب والفناجين والاستمتاع بالقهوة.
هذا الأستاذ الحكيم عالج آفة يعاني منها كثيرون، فهناك نوع من الناس لا يحمد الله على ما هو فيه، مهما بلغ من نجاح، لأن عينه دائماً على ما عند الآخرين. يتزوج بامرأة جميلة وذات خلق ولكنه يظل معتقداً ان فلاناً وعلاناً تزوجا بنساء أفضل من زوجته، ويجلس مع مجموعة في المطعم ويطلب لنفسه نوعا معينا من الأكل ظل يشتهيه، وبدلا من أن يستمتع بما طلبه يظل ينظر في أطباق الآخرين ويقول: ليتني طلبت ما طلبوه. وهناك من يصيبه الكدر لو نال زميل ترقية أو مكافأة عن جدارة واستحقاق. وهناك مثل انجليزي يقول ما معناه إن الحشيش/ النجيل دائماً أكثر خضرة في الجانب الآخر من السور
The grass is always greener on the other side of the fence
أي أن الإنسان يعتقد أن حديقة جاره أكثر جمالا، وأمثال هؤلاء لا يعنيهم أو يسعدهم ما عندهم بل يحسدون الآخرين على كل شيء.. في إحدى مدن السودان – وهذه حكاية واقعية – كان تاجر يدعو بعد كل صلاة اللهم اجعلني غنياً أو أجعل جاري فلاناً فقيرا!

jafabbas19@gmail.com

تعليق واحد

  1. سبحان الله أما علم هذا التاجر ان دعوة المسلم لاخيه المسلم- بظهر الغيب- مستجابة وان هنالك ملك يؤمن على الدعاء ويقول ولك مثله.

    أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن استجابة الله سبحانه لدعاء من دعا لأخيه، فقال : دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل به، كلما دعا لأخيه قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل . رواه مسلم .

    اللهم اهد والدى اخي واختي و جيراني وكل أهلي ومعارفي و جميع المسلمين والمسلمات للحق ووفقهم لصيام وقيام العشر الأواخر كما تحب وترضى وبلغهم ليلة القدر. اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعف عنهم.اللهم امين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد.