الشاب السوداني الغاضب
مصادفات موقع التواصل )فيس بوك(، هي التي جمعتني بالشاب السوداني الغاضب، التقيته للحظات فقط، ثوانٍ لم تتعد الثلاثين. لم أعرف اسمه ولم أكلف نفسي في السؤال عنه. أبصرت فيه صورة لكل الشباب السوداني؛ بحزنه الكبير ووجعه وتحسره على بلاده. التقط لنفسه مقطع فيديو قصير، أراد من خلاله أن يبث شكواه من انقطاع الكهرباء في نهار رمضان والناس صائمون وتعبون، لكن هذه الشكوى رغم الكلمات المضغوطة تجاوزت الكهرباء لتعكس ألمه وإحباطه من كل ما يجري في هذه البلاد. بدا حزينا وغاضبا في مزج غريب بين العاطفتين المتجاورتين. وجه يغطيه عرق غزير يعكس معاناته الحقيقية من انقطاع التيار الكهربائي في هذه الأجواء الساخنة، من حوله ضجيج أطفال وكأنه يشفق عليهم مما ينتظرهم إن استمر الحال بهذه الوتيرة المؤلمة في التراجع والتدهور.
وجه هذا الشاب كاميرا موبايله صوب أهله النائمين ونحو المراوح المتوقفة وكأنها في غير مكانها الصحيح. تساءل عن العقول المهاجرة، عن حالة النضوب البشري التي أصبحت تهدد السلامة المستقبلية للبلاد. شكوى من الكهرباء لخص فيها هذا الحزين النبيل حال السودان، عن المصير الذي ينتظر من تمسكوا بتراب هذه الأرض وإلى أي وقت سيستمر صمودهم هذا, عن حالة اللامسؤولية التي بلا شك هي المسير الأول لكي شيء يحدث هنا. حزن وغضب كثيفان عبرا عن ما يحمله هذا الشاب من محبة لهذه البلاد أكثر من كلماته الداعية إلى الانتباه إلى أن الفرص تكاد تنفد قبل أن ننقذ هذه البلاد وإلا فإنه الهلاك والتفتت والضياع والتشتت.
هذا الفيديو ومثله مقاطع أخرى كثيرة منتشرة على مواقع التواصل، إضافة إلى كتابات تملأ الإنترنت تؤكد أن هناك جيلا اكتوى كفاية بنيران فشل الحكومات السودانية، بالأحرى فشل الدولة السودانية في التأسيس الحضاري لكيانها وبناء مجتمعها والاستفادة من الإمكانات التنموية الهائلة التي تختزنها أرض هذه البلاد وعلى رأسها بلا شك الإنسان؛ هذا المهمل المهمش المضطهد في أرضه.
هذه الاحتجاجات الشبابية الغاضبة: مقاطع الفيديو، كتابات الفيس، الأشعار والنصوص السردية الناقمة والناقدة، المجموعات الغنائية المتمردة، اغتراب وهجرة الشباب.. الخ، كلها مؤشرات على إحباط وغضب شبابي عارم على كل ما يجري ومن يتولون الأمر ويسيرونه منذ استقلال السودان وإلى الآن – سادة الفشل الكبير!
تنحوا قليلا واتركوا الشأن لدماء جديدة أكثر حرارة.