لبنى عثمان

الوجـــوه.. مصابيح

لا شيء يبقى للأبد.. برغم إيماننا العميق والتام به إلا أننا عند النهايات نتألم. تختزن دواخلنا كما هائلا من الأحاسيس والمشاعر والملامح والتفاصيل.. وجميعها تسكن منابعنا, تحرك مكنون القلب.. والقلب يعيد إرسالها إلى ذاكرتنا ليتم ترتيبها وترجمتها وبالتالي تفسيرها وتشكيلها في شكل (وجوه) صادفتنا وتصادفنا يوميا في حياتنا..
لكل منا (وجه) يعكس ما بداخله.. (فالوجوه) مرايا عاكسة لدواخل أي إنسان وهي أصدق من الإنسان ذاته.. فهي تعبر عما بداخله أكثر منه.. وهي أقل خداعاً.. وأكثر صدقاً وشفافية..
حين يشعر الإنسان بالحزن ويتظاهر بالفرح أو يدعي الحزن وهو في قمة فرحه..
يكون بذلك مغايراً لأعماقه ومشاعره وأحاسيسه فيكشفه (وجهه) حيث يكون في قمة صدقه..
فيرتسم الفرح في لوحة الحزن
ويرتسم الحزن بريشة الفرح..
(وجوهنا) مصابيح تشعلها حسناتنا.. وتطفئها ذنوبنا.. لذا فنور (الوجوه) وظلمتها لا علاقة له بلون البشرة..
فكم من بشرة سوداء مضاءة كالشمس..
وكم من بشرة بيضاء مطفأة كالليل…
لذلك فكل مساحيق التجميل باختلاف أنواعها..
وكل عمليات التجميل وإن تعمقت آثارها..
فإنها لا يمكن أن تنير (وجهاً) أطفأته الذنـــــوب.
(الوجوه) بيضاء ما دامت الأعماق بيضاء
و(الوجوه) قاتمة ما دامت الأعماق قاتمة.
****
بعض (الوجوه) حين نلتقي بها فإنها تبقى سجينة ذاكرتنا لا تغادرها أبداً مهما غادرت.. بل تنمو وتتجذر وتصبح مع الوقت جزءاً من جدار الذاكرة وتصعب مع الوقت إزالتها مهما مرت بها من عوامل.. فالملامح تبقى والتفاصيل تبقى والشعور يبقى وجميعها لا تشيخ ولا تنال منها يد الزمن فذاكرتنا تحتفظ (بالوجوه) والأشياء كما هي في اللحظة الأخيرة ويتوقف بعدها الزمن على ما علق في مخيلتنا…
في كثير من الأحيان نصاب بخيبة أمل حين نلتقي (بوجوه) على أرض الواقع امتدت ورسخت ملامحها في دواخلنا.. فيصدمنا اختلاف الملامح ما بين (الوجه) القاطن في ذاكرتنا وما بين (وجه) الواقع..
ففي الوقت الذي وقف الزمن على (الوجوه) في ذاكرتنا.. كان الزمن يزحف بكل قوته
نحو (وجوه) الواقع.. فالزمن لم ينل من (الوجوه) في ذاكرتنا ودواخلنا لكنه نال من مشاعرنا تجاهها كثيراً..
*دعـــــوة
بياض النوايا والدواخل يشرق بياضاً في (الوجوه).
نحن في شهر رمضان الكريم.. لنجعل دواخلنا نظيفة وبياضها ناصعــاً لنلاقي الرحمن (بوجه) مشرق وجميل.