د. عبير صالح

قطوعات المياه والكهرباء.. وانتشار الأوبئة

لقد بلغ العطش والحر مبلغه من المواطنين بمحليات الخرطوم المختلفة.

وشهد هذا الشهر الكريم معاناة جلب المياه، وإن وجدت فإن الإمداد ضعيف جداً، وأصبحت تأخذ الكثير من زمن الناس- سهر طويل في انتظار الماء- وعطش وحر مما يؤثر على أداء العبادة بصورة مريحة من طهارة وغيرها في الشهر الكريم.

فأصبح الكل يتحدث عن قطوعات المياه والكهرباء، أو كما يقال في بعض الأحياء أن السبب شجرة الدمس.

الضرر ليس في العطش والحر فقط بل في الصحة أيضاً، جانب من أمراض ناتجة من تلوث المياه والبعوض والتلوث بالفضلات الإنسانية في المراحيض وغيرها.

فأصبح الكل يتحدث عن الشبكات القديمة التي تحتاج إلى إحلال، وعندما تسألهم عن حل هذه المشكلة للأغراض المنزلية الأخرى مع الملاحظة أن 95% من سكان العاصمة لا يستطيعون شراء مياه الصحة للشرب بصورة مستديمة، والكل أصبح يستخدم مياه الكارو هذا حال المواطنين في وسط العاصمة.

أما سكان أطراف العاصمة أهلنا البسطاء الطيبون للغاية يجلبون مياه الشرب بعربة الكارو منذ زمن بعيد ولا يعرفون مياه الحنفيات أبداً، كما أن بعض المنازل التي بها حنفيات لكنها لم تجد بمائها أبداً لهم، وهذه المشكلة قد امتدت لأجيال أنهم يعرفون فقط صاحب الكارو وبارك الله فيه، ولا يعرفون مياه الصحة كما أنهم لا يمتلكون المال الكافي لشرائها، بالاضافة لعدم توفر الخدمات الصحية بصورة مرضية.

هؤلاء الناس تتمثل معاناتهم في التلوث الدائم الذي امتد لسنوات جراء مياه الكارو غير معروفة المصادر وغير آمنة في طريقة وصولها من براميل ملوثة، والبعض الآخر تمكن منه الصدأ، بالاضافة لاختلاط هذه المياه بالمخلفات الإنسانية والبكتريا والفطريات والفيروسات والطحالب، وقد تكون أيضاً مختلطة مع مياه الترع والمصارف، وهذا واقع الحال عندهم، مياه ملوثة يتم شربها ويغسل بها الخضروات والاستعمالات الأخرى بها.

هذه المياه الملوثة أصبحت مصدراً للنزلات المعوية، بالإضافة للدسنتاريا الاميبية، والاسهالات المتكررة والتيفويد، وهذه الأسهالات قد تكون شديدة وتسبب الجفاف وقد تصل للفشل الكلوي.

أيضاً التهاب الكبد الفيروسي (أ) المعروف بالصغير الذي ينتقل أيضاً بالمياه الملوثة وينتشر بصورة وبائية.

ولكم أن تعلموا أيضاً أن فيروس الشلل- (شلل الأطفال)- أيضاً ينتقل عن طريق المياه الملوثة، ويتكاثر هذا الفيروس في الجهاز الهضمي للطفل المصاب ويخرج للبراز، فيسهل نقل العدوى عن طريق الذباب أو المياه الملوثة، كما أن هناك أيضاً فيروس الكوكسالي الذي قد يصيب عضلة القلب ويسبب أمراضاً، بالإضافة لشلل العضلات، الالتهاب الدماغي.. والخ..

كما أن الاستحمام بالمياه الملوثة قد يؤدي إلى الإلتهابات في العين والالتهابات الجلدية.. (بكتريا وفطريات).

هذه المعاناة تذكرني قصص الأمهات اللائي أعتبرن اقامتهن سيئة دائمة في عنابر المستشفيات بسبب سوء التغذية والاسهالات المتكررة، ولقد كنا نسألهن سؤالاً تقليدياً جداً (بتجيبوا موية الشرب من وين.. وعندكم مواسير في البيت؟).. وكانت اجابتهن (لا.. بنشرب موية الكارو).

مياه الكارو كانت السبب الأساسي في معاناة هؤلاء الأمهات، وذلك بسبب النزلات المعوية والاسهالات المتكررة التي قد تودي بحياة طفل أو إثنين من أطفال الأسرة، في لمح البصر، ولكنهم لا يعرفون طريقة الشكوى ولا مياه الصحة.. أنهم سكان أطراف العاصمة، لا يعرفون كيف يصلون للمسؤولين ولا يعبرون عن استيائهم .. فلهم رب كريم.

كما أن هذه الأيام هناك حالات شديدة من التيفويد في جميع السودان، كما أن هناك أيضاً مقاومة للعلاج وأصبحت مثل الأمراض المزمنة، والسبب كله التلوث في المياه الذي قد يمتد ليشمل الأطعمة وغيرها، كما أن ندرة المياه وانعدامها تجعل استخدام الفرد للمياه والتخلص من الفضلات الإنسانية غير صحي وهذا يؤدي إلى التلوث بصورة عامة يتم تفشي الأمراض والأوبئة.

لكن هذه الأيام أصبحت كل محليات الخرطوم تشرب مياه الكارو.

من هنا أناشد المسؤولين في الدولة والمسؤولية أمانة في أعناقهم أمام رب العالمين في هذا الشهر الكريم أن يحلوا مشكلة المياه وقطوعات الكهرباء حلاً جذرياً، وخاصة أن هذه الأيام العشر الأواخر من رمضان والناس تحتاج للمياه والكهرباء لأداء مناسكهم في المساجد، ولو أنه تم إنشاء مصدر مياه نظيفة وآمنة لوفرت مليارات الجنيهات التي تصرف على العلاج جراء الأمراض التي تنجم من تلوث المياه.

وياريت وزارة الصحة تدق ناقوس الخطر، وخاصة إدارة الوبائيات في حال استمرار قطوعات المياه والكهرباء.

وياليت المالية مع صرف فروقات المرتبات تصرف مرتباً إضافياً لأن سعر برميل المياه أصبح يتراوح من 100-150 جنيهاً على حسب المنطقة..

ونواصل..