فدوى موسى

أنت بعيد

٭ لن أنسى عيدك الأخير في هذه الدنيا.. أنت بكامل لبستك البلدية.. التقينا بعد صلاة العيد في الحوش الكبير .. فكان القرار قبل الذبح أن نزور معاً الخال والعم وبعض الأقارب فذهبنا معاً.. وكنت صامتاً طوال المشوار لا تنبث بكلمة إلا راد على السلام أو محيياً بالتحية.. وصلنا عند الأهل وأنت تهمس (سلام.. كل عام وأنتم بخير) تم تلتزم الصمت تماماً.. وأنا أسأل نفسي (لماذا لا ينتبه جلال أخي للحديث ويكتفي صامتاً بالتحايا» .. لم أكن أدري أنه ربما إحساسك الأخير بالعيد على ظهر الأرض.. وأنت تمر معي على بيوتات الأهل .. وأنا أهامس نفسي ليته يتنبه لهذه الشابة.. أو تلك الإبنة .. حبه لجواله يجعله مشدوداً إليه بصورة مستغرقة وموغلة في الافتراض.. ترى من كان يأخذ لبابه في تلك اللحظات.. مررنا على خالي وإحدى قريباتي وبنات عمة أبي بعد وفاة عميدة أسرتهم ثم عمي.. وجلال كنسمة لا تحس بوجوده إلا بأنك تعرف أنه معك، ومن بعد ذلك تركنا بعضنا .. أنا لمزيد من الزيارات لاحساسي الحقيقي إنني «متلومة» مع الكثيرين.

أخي «جلال» أنت الآن نحتسبك في جملة الشهداء والصديقين والرفيق الحسن.. لكنا مكلومين جداً وصعب علينا ذهابك الداوي وأنت نضر الشباب وجميل، ولا نقول إلا ما يرضي الله .. إنا لله وإنا إليه راجعون.. شئنا أم أبينا أصبحت حقيقتك أنك ميت .. بالتأكيد كلنا سنكون ميتين. العيد بدونك يختلف ففقدك عظيم.. مازالت طقوسك في ليلة «الوقفة» وصباحات العيد محفوظة بكل تفاصيلها وأبعادها..

٭ جلال رغم أن الأمر لا يخلو من وجع لا يهدأ ولا يخبو لهيب ناره، إلا أننا نأمل في الله أن يتقبلك عنده بأفضل مما عليه أهل الدنيا.. ففي شبابك نضرة لم يكن مكانها هنا.. بل كانت هي لتلك الدار التي هي الأخرة.. جلال رغم مرارة ذهابك المفاجئ إلا أن لنا السلوى أن ذهبت بطلاً يصارع الخوف لأمل كبير لم تكن إلا الميت قافزاً من عليائه الشماء إلى علياء الشهادة إن شاء الله .. أعزرونا أن لم نستطع أن نحبس الدمع وأن نكتم الآهات والزفرات.

٭ آخر الكلام:

شريط حياتك يمر الآن أمامي بكل تفاصيله المفرحة.. المبكية.. صحتك ومرضك.. جدك وهزلك .. صدقك وبعض قفشات بيضاء.. ولا أقول إلا ما يرضي الله.. إنا لله وإنا إليه راجعون.