يبقى بالكراع!
(بعدما كانت في الكراع بقت في الوش) عبارة كثيراً ما نسمعها من بعض الأصدقاء والأقارب، حالما كان هناك حدث أو أمر اجتماعي أخذ حظه من الحدوث والتأثير، ولم يتمكن هؤلاء القائلون للعبارة من إدراك بند المجاملة أو الوصول لحالة ملازمة أو سلوى.. بالتأكيد الملمات الكبيرة يفقد الناس فيها الأعزاء، ولكن الظروف الضاغطة لم تترك خلفها باباً للتلاوم أو حرمان العذر، والشيء يحسه البعض في حاله وظرفه وما كان في (الكراع) يبقى فيها بلا (وجه للقباحة أو الزعل) ما دام الحال العام لهاث وجري كما الوحوش والحصيلة ما قدر وسطر.. ليس عيباً أن تدرك بعض المجاملة والسلوى بعد زمانها، خاصة إن كانت لفقد أو حدث جلل، لأن الأثر باق مع استمرار الشواغر الإنسانية للاحساس بها.. على العموم علينا أن نكون لطفاء مع بعضنا البعض، وأن نحتمل ظروفنا وحالاتنا النفسية فربما كانت لبعض الإحساسات العميقة أثرها على «تبة الكراع».. صعب جداً على نساء السودان ابتلاع هذا الإحساس خاصة إذا ما كنَّ مجاملات أو كما يقولون لبعضهن البعض «لافحات تيابن» ومتعجلات للواجب الاجتماعي.. إذن لا غضاضة أن تقبل المجاملة «والمكابرة» في أي وقت ما دام الأثر باقياً.. ونظرية الحقارة التي تظنها الكثيرات ليست بالقاطعة إن لم تكن هناك دلائل لها ومبررات.. أكثر ما أدهشني من تلك المرأة التي توفي أخوها الأكبر ولم تجاملها إحداهن في العزاء ولظرف ما اضطرت للذهاب لمنزلهم فوجدتها وتعامت عن تعزيتها، و(طنشت) الأمر وطالبتها بالمكوث فما كان منها إلا أن قالت «أخوي فلان مستنيني بره» وفلان هذا هو المرحوم.
على العموم نحن السودانيين مجبولون على المجاملة ولو على حساب تفاصيل حياتنا المهمة، وفي عز أوجاعنا التي تكاد تكون عاصفة ومصيبة نتحسس ونفقد فلاناً وفلانة.. لا أعرف هل الأصل هو لإحساسنا بفقده أم ضبطه متلبساً بالتقصير في المجاملة.. كما يحكون أن الفكرة «التلاومية» هذه لا تغيب عن مخيلة المرأة حيث يقال إنها «أي الزوجة» وفي لحظة تجلي وحميمية مع زوجها وهما يتبادلان الرومانسية فجأة طفقت تسأله «إنت التاية دي عزتني في أمي»؟؟ فما كان منه إلا أن «قلب الصفحة الرومانسية وأعاد وجه العبوس وكلامه الحاد مرة أخرى» وما ذلك إلا دليل على أن فكرة المجاملة عالقة بقوة في خيال وعقل وخاطر المرأة السودانية.
آخر الكلام :
مجاملاتكم هي حصن من الوقوع في براثن الحزن وتداعياته.. ومشاركتكم الأفراح هي بهجة عظمى لا تناديها بهجة.. والتلاوم باب يجب إغلاقه على حسن الظن والنية، فليست كل الظروف تقال.. نفسياً أو جسدياً أو حتى مادياً.. «أها مبرووك أفراحكم كلكم والفاتحة لموتاكم كلكم».. مع محبتي للجميع..