يوسف عبد المنان

عودة “أمبيكي”!!


بعد قطيعة قاربت نصف العام يعود رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى “ثامبو أمبيكي” للخرطوم في محاولة لإحياء مفاوضات السلام بين الحكومة ومتمردي قطاع الشمال، وهي مفاوضات (ماتت) وشبعت في الموت.. ولا أمل في إحياء الموتى إلا إذا تحققت أو تنزلت على السودان (معجزة جديدة) وبلادنا لم يحل بها نبي من أنبياء الله ولا هي مهبط معجزات.. إلا إذا (أيقنا) صحة ما تواتر من روايات شعبية عن معجزات الصوفية، كما جاء في بعض كتب التراث الصوفي.. يعود المبعوث “أمبيكي” للخرطوم ولا تهتم بزيارته إلا الصحافة التي لا تزال تعلق الآمال على رجل فشل في مهمة صعبة، حينما انتدب نيابة عن الاتحاد الأفريقي لحل أزمة الحرب في السودان.. والاتحاد الأفريقي ظن في نفسه القدرة على علاج أمراض القارة.. ولكنه أخطـأ التقدير.. وقد تكشفت عورات الاتحاد الأفريقي منذ ميلاده كوريث لمنظمة الوحدة الأفريقية، وعجز على العاجزين من وقف الحرب في رواندا.. وإنقاذ الدولة الجنوبية الوليدة من الانهيار.. والوقوف في صف المراقبين لما يحدث في الصومال، والاتحاد الأفريقي لا يحظى باحترام عضويته ولا قداسة لقراراته. وقد قال وقال عن الانقلابات العسكرية التي تجهز على النظم الديمقراطية.. لكنه سرعان ما يصبح (حاضناً) لأنظمة القمع في أفريقيا وصديقاً لرؤساء يجلسون على كراسي الحكم عبر فوهة البنادق.. وحتى اتفاقية سلام السودان 2005م كان جهد الاتحاد الأفريقي لا يعدو دور المخرج الذي طلب منه القيام بدوره إخراج مسرحية أعدها غيره.
وعودة”أمبيكي” للخرطوم اليوم (الأحد) هي تمثل عودة الرئيس الأمريكي “أوباما” لأرض جدوده.. اهتم بالصور.. واحتساء القهوة الإثيوبية (بُناً) وارتداء ملابس الكينيين الشعبية.. وتقديم نفسه لأفريقيا كلاعب كرة قدم شهير جُبل على التواضع وحب الجماهير يوقع على دفاتر العشق.. ويمنح المشجعين جزءاً من وقته لالتقاط الصور.. “أوباما” لم يمنح قادة أفريقيا شيئاً.. وحرمهم من كل شيء.. وأسدى لهم نصائح عن كيف يتم توطين الديمقراطية الاجتماعية والديمقراطية السياسية.. و”ثامبو أمبيكي” لن يقدم رؤية سياسية لحل قضية المنطقتين (جبال النوبة والنيل الأزرق)، ولا يملك “أمبيكي” إرادة تفقد المنطقتين والإصغاء لمطالب أهل تلك المناطق التي طحنتها الحرب والصراعات.. وتسلل اليأس إلى النفوس حتى أصبحوا مثل سكان مخيمات حرب 1973م في فلسطين.. بالحرب قانعون ومن السلم يائسون عنوانهم جبالهم التسعة وتسعون.. وتعويذهم (إنا لله وإنا إليه راجعون)!!
أطراف النزاع الحكومة والحركة الشعبية تباعدت المسافات وسدت الدروب بالطموحات غير الراشدة.. والحركة الشعبية تحلم بإسقاط النظام واقتلاعه من الأرض التي نبت فيها، وذلك إما عن طريق الحرب التي تدور منذ أربع سنوات أو عن طريق مفاوضات تفضي لتفكيك النظام.. ليقتل نفسه بسكينة ويخر على الأرض وترث الحركة الشعبية وحلفاؤها السلطة.. مقابل ذلك ترفض الحكومة سلاماً مدفوع الثمن.. ترفع لاءات ثلاثة.. لا مشاركة في السلطة.. ولا فترة انتقالية.. ولا قوات خاصة.. الحكومة تسعى وتأمل وتتمنى وتتمسك بسلام مجاني.. ولا تقبل بمالك عقار وعبد العزيز الحلو في الخرطوم إلا مواطنين عاديين ولكنها مستعدة لمنحهم شيئاً من السلطة في جبال النوبة والنيل الأزرق.. وبذلك تتباعد المسافات.. ولا قوة دولية لها نفوذ تستطيع أن تفرض السلام على الطرفين كما فعلت الولايات المتحدة في نيفاشا عن طريق الوعود الناعمة والمغريات، جعلت الخرطوم توقع على اتفاق نيفاشا وجعلت الحركة تتخلى عن أوهام التحرير.. وترتضي استقلال الجنوب.
“أمبيكي” يخلط أوراق اللعبة إن هو حشر نفسه في الحوار الوطني المتعثر أصلاً وغير المنتظر أن يصل لنتيجة حتى حلول الانتخابات القادمة.. ولكن “أمبيكي” موظف في الاتحاد الأفريقي عليه على الأقل تسجيل اسمه في دفتر الحضور لتبرير ما يناله من أجر معلوم آخر كل شهر.


تعليق واحد

  1. و من الملام يا أستاذ ؟؟ اذا كانت حكومتك لا تحاور من رضي بالحل السلمي و لكنها ترضخ لكل من يسفك دماء السودانيين …