تبرير
بعض الناس وخاصة الإعلاميين يفترضون في الشعب السوداني الجهل والأمية.. خرجوا علينا بأن لغة خطاب الرئيس عالية وليست شعبية.. كأنما اللغة الشعبية هذه يجب أن تكون هابطة ومتدنية وحسبما يقال في الطرفة إن صحيفة شهيرة استجلبت مدققاً لغوياً قام بتصحيح الأخبار والمقالات فأحجم القراء عن الشراء لأنهم تعودوا على الأخطاء واستساغوها وقام التدقيق اللغوي بتشويهها!
امتاز السياسيون في السودان على مر العصور بلغة رفيعة ما زال البعض يذكر للمحجوب رصانته ولمبارك زروق إجادته.. بل ظل الإمام الصادق يقدم لغة رفيعة سليمة.. واشتهر منصور خالد بلغته الرصينة.. كذلك الراحل أحمد عبدالحليم الذي كان يعد بعض خطب الرئيس نميري .. وقبلهم أولاد الشريف الهندي حسين وزين العابدين.. الإعلاميون فقط هم الذين تحدثوا عن كثافة اللغة وعلو مفرداتها.. السياسيون لم يجيبوا سيرة ذلك.. قرأت حوارين للإمام الصادق زعيم الأمة والأستاذ الخطيب سكرتير الحزب الشيوعي لم يتحدثا عن اللغة العالية وفهما الخطاب.. الإعلاميون بذلك ينتقدون أنفسهم.. فإذا كان الخطاب عسير الفهم على المواطن العادي.. فمهمتهم هي شرح ما غمض على العوام.. لكن كيف وأحدهم تحدث باللغة الإنجليزية في مؤتمر صحفي باللغة العربية وحجته في ذلك أنه لا يريد أن يفهم ما يقوله سوى المسؤول الذي أقام المؤتمر الصحافي.. كان بذلك متعالياً على زملائه الذين افترض أنهم لا يعرفون اللغة الإنجليزية.. أحد الصحافيين من جيل الوسط كتب بعض عبارات الخطاب وكان يقرأها بصفتها كلاماً غير مفهموم.. فأخذت أشرح له معاني كلماتها مثل «اعتساف» و«الوجود المجتمعي» ففهم.. بعض الزملاء الكتاب مثل كمال الجزلي والطيّب زين العابدين وحسن مكي يكتبون بلغة رفيعة.. لم يخرج عليهم حتى الآن من يقول إن لغتهم صعبة.. وغير مفهومة.. هذا من جهة.. ومن جهة ثانية صرف هذا الأمر الناس عن تحليل الخطاب وفهم مطلوباته.. فلو أن الزملاء انصرفوا إلى تحليل الخطاب وشرح ما غمض على الناس لكان هذا أجدى من هذا المسلك الذي عمد إلى تغيير اتجاهات الناس عن مضمون الخطاب إلى شكله.. كان للزعيم عبدالناصر أكثر من لغة خطاب.. لغة جماهيرية يخاطب بها الجماهير.. وغالباً ما يرتجلها.. ولغة يخاطب بها الوزراء والمسؤولين وهي مكتوبة ورفيعة..
إذا نظرنا إلى لغة الخطاب ليس فيها ما يستعصي على الفهم.. فهي لم تكن بلغة ممعنة في الخصوصية أو اعتمدت على التعابير القديمة مثل «فرقد»
و«جلمود صخر».. بل هي عبارات حديثة والذين سخروا من لغة الخطاب عليهم أن يسخروا من لغة الحداثة في الشعر وفي القصة.. والرواية.. حين غنى الكابلي أراك عصي الدمع.. وشذى زهر.. وعندما غنى وردي مرحباً يا شوق والعاقب محمد حسن هذه الصخرة.. وعندما غنى زيدان الوداع.. لم يقل أحد إنهم غنوا قصائد بلغة متعالية.. بل طربوا لها ورقصوا معها.. فلو عملنا بمنطق اللغة الصعبة فلنسخر من قم يا طرير الشباب!! ولقلنا التجاني يوسف بشير تعالى علينا وقال «طرير الشباب» أو تساءلنا عن كنه أنشودة الجن.. وشاعرنا عوض جبريل في إحدى أغنياته يقول «والحزاين ما في..».. ونحن نعرف الحزن والأحزان لكن الحزاين هذه لم تستخدم إلا عند عوض جبريل عليه رحمة الله.
لا أريد أن أدافع عن شخص.. إنما عن اللغة العربية.. وكلما كانت رصينة رفيعه فكان هذا المطلوب.. يقال إن رجلاً من العامة قال لفيسلوف لِمَ تقول ما لا يُفهم.. فقال له لِمَ لا تفهم ما يُقال..
الصباح..رباح – آخر لحظة
[EMAIL]akhirlahzasd@yahoo.com[/EMAIL]
يا استاذ الشعب يريد لغة ساهلة مبسطة وهادفة مثل تلك التى كان يتحث بها المرحوم نقد .